( ولا غرو في تسمية التعب شقاءً )، قال الزمخشري : والشقاء يجيء في معنى التعب، ومنه المثل : أتْعَبُ مِنْ رَائِضِ مُهْرٍ، وأشْقَى من رائضِ مُهْرٍ.
و « لِمَنْ يَخْشَى » متصل ب « تَذْكِرَةًُ » وزيدت اللام في المفعول، تقوية للعامل لكونه فعلاً. ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه صفة ل « تَذْكِرة ». وخصَّ مَنْ يَخْشَى بالتذكر، لأنهم المنتفعون بها، كقوله :« هُدًى لِلْمُتَّقين ».
قوله :« تَنْزِيلاً » في نصبه أوجه :
أحدها : أن يكون بدلاً من « تَذْكِرَةً » إذا جعل حالاً لا إذا كان مفعولاً، لأن الشيء لا يعلِّلُ بنفسه، لأنه يصير التقدير : مَا أنْزَلْنَا القرآنَ إِلاَّ لِلتَّنْزِيل.
الثاني : أن ينتصب ب « نزل » مضمراً.
الثالث : أن ينتصب ب « أنْزَلْنَا »، لأن معنى ما أنْزَلْنَا إلاَّ تذكرة : أنْزَلْنَاهُ تَذْكِرَةً.
الرابع : أن ينتصب على المدح والاختصاص.
الخامس : أن ينتصب ب « يَخْشَى » مفعولاً به، أي أنزلناه للتذكرة لِمَنْ يَخْشَى تنزيلَ الله، وهو معنى حسن وإعراب بيِّن. قال أبو حيان : والأحسن ما قدَّمناه أولاً من أنَّه منصوب ب « نَزَل » مضمرةً، وما ذكره الزمخشري من نصبه على غيره فمتكلف : أما الأول ففيه جعل « تَذْكِرَةً » و « تَنْزِيلاً » حالين وهما مصدران، وجعل المصدر حالاً لا ينقاس. وأيضاً فمدلول « تَذْكِرَةً » ليس مدلولاً « تَنْزِيلاً »، ولا « تَنْزِيلاً » بعض « تّذْكِرَةً » فإن كان بدلاً فيكون بدلَ اشتمال على مذهب من يرى أن الثاني مشتمل على الأول؛ لأن التنزيل مشتمل على التذكرة، وغيرها. وأما قوله : لأن معنى ما أنزلناه إلا تذكرةً أنْزَلناهُ تَذْكِرَةً، فليس كذلك، لأن معنى الحصر يفوت في قوله :« أنزلناه تذكرةً. وأما نصبه على المدح فبعيد.
وأمَّا نصبه على »
يَخشَى « ففي غاية البُعد، لأن » يَخْشَى « رأس آية وفاصلة فلا يناسب أن يكون » تَنْزِيلاً « منصوباً ب » يَخْشَى «، وقوله : وهو معنى حسن وإعراب بيِّن عجمة وبُعْدٌ عن إدراك الفصاحة. قال شهاب الدين : ويكفيه رد الشيء الواضح من غير دليل ونسبة هذا الرجل إلى عدم الفصاحة ووجود العجمة.
قوله :»
مِمَّنْ خَلَقَ «. يجوز في ( مِنْ ) أن يتعلق ب » تَنْزِيلاً «، وأن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل » تَنْزِيلاً «.
وفي »
خَلَقَ « ( التفات ) من تكلُّم في قوله :» مَا أنْزَلْنَا « إلى الغيبة وجوز الزمخشري أن يكون » مَا أنْزَلْنَا « حكاية لكلام جبريل عليه السلام وبعض الملائكة فلا التفات على هذا.
قوله :»
العُلَى « جمع عُلْيَا، نحو دُنْيَا ودُنًى، ونظيره في الصحيح كُبْرَى وَكُبَر، وفُضْلَى وفُضَل، يقال سماء عُلْيَا وسموات عُلَى.


الصفحة التالية
Icon