ومعنى الآية :« تَنْزِيلاً مَمَّنْ خَلَقَ » أي :( مِنَ الله الذي خلق الأرضَ والسَّمَواتِ العُلَى ) يعني العالية الرفيعة.
وفائدة وصف السَّوات بالعُلَى : الدلالة على عظم قدرة من يخلق مثلها في علوها ( وبعد مرتقاها ).
قوله :« الرَّحْمنُ » العامة على رفعه، وفيه أوجه :
أحدها : أنه بدل من الضمير المستكن في « خَلَقَ » ذكره ابن عطية، ورده أبو حيان بأن البدل يحل محل المبدل منه، ولو حل محله لم يجز لخلو الجملة الموصولة بها من رابط يربطها.
الثاني : أن يرتفع على الابتداء مشاراً إلى « مَنْ خَلَقَ » والجملة بعده خبر. وقرأ جناح بن حُبَيش :« الرَّحْمنِ » مجروراً، وفيه وجهان :
أحدهما : أنه بدل من الموصول. لا يقال : إنه يؤدي إلى البدل بالمشتق وهو قليل، لأن ( الرحمن ) يجري مجرى الجوامد لكثرة إيلائه العوامل.
والثاني : أن يكون صفة للموصول أيضاً.
قال أبو حيان : ومذهب الكوفيين أن الأسماء النواقص ك « مَنْ » و « مَا » لا يوصف منها إلاَّ الذي وحده، فعلى مذهبهم لا يجوز أن يكون صفة. قال ذلك كالراد على الزمخشري.
والجملة في قوله :« عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى » خَبَر لقوله « الرَّحْمنُ » على القول : بأنه مبتدأ، أو خبر مبتدأ مضمر، إن قيل : إنه مرفوع على خبر مبتدأ مضمر، وكذلك في قراءة مَنْ جرَّه. وفاعل « اسْتَوَى » ضمير يعود على « الرَّحْمنُ ».
وقيل : بل فاعله « مَا » الموصولة بعده، أي : استوى الذي له ما في السموات قال أبو البقاء : وقال بعضُ الغلاةِ :« مَا » فاعل « اسْتَوَى »، وهذا بعيد، ثم هو غير نافع له في التأويل، إذ يبقى قوله :« الرَّحْمنُ عَلَى العَرشِ اسْتَوَى » كلاماً تامّاً ومنه هرب.
قال شهابُ الدين : هذا يُروى عن ابن عبَّاس، وأنَّه كان يقفُ على لفظ « العَرْشِ » ثم يبتدئ ب « اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَواتِ »، وهذا لا يصح عنه.
قوله : الثَّرَى : هو التراب النَّدِي، ولامه ياء بدليل تثنيته على ثَرَيَيْن وقولهم : ثَرِيَتْ الرضُ تَثْرَى ثَرًى. والثَّرَى في انقطاع المودة، قال جرير :

٣٦٤٠- فَلاَ تَنْبِشُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمُ الثَّرَى فَإنَّ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمُ مُثْرِي
والثَّراء بِالمَد : كثرة المال، قال :
٣٦٤١- أَمَاوِيَّ مَا يُغْنِي الثَّراءُ عَنِ الفَتَى إذَا حَشْرجَتْ يَوْماً وضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
وَما أَحسن قولَ ابن دُرَيد في قصيدته التي جمع فيها بن الممدود والمقصور باختلاف معنى.

فصل


قال المفسرون : معنى « لَهُ مَا فِي السَّمواتِ وَمَا فِي الأرْضِ » لما شرح ملكه بقوله :« الرَّحْمنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى »، والملك لا ينتظم إلا بالقدوة والعلم لا جرم عقبه بالقدرة ثم بالعلم.


الصفحة التالية
Icon