قوله تعالى :﴿ وَهَلْ أتَاكَ حَديثُ مُوسَى : إذْ رَأَى نَاراً ﴾... الآية : لما عظم حال القرآن، وحال الرسول عليه السلام بما كلَّفه أتبع ذلك بما يقوي قلبَ رسوله من ذكر أحوال الأنبياء تقوية لقلبه في الإبلاغ، كقوله تعالى :﴿ وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرسل مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [ هود : ١٢٠ ]. وبدأ بموسى لأن فتنته كانت أعظم « ليتسلَّى قلبُ الرسول عليه السلام بذلك، ويصبر على تحمل المكاره. قوله :» وَهَلْ أتَاكَ « يحتمل أن يكون هذا أول ما أخبر به من أمر موسى فقال :» وَهَلْ أتَاكَ « أي لم يأتك إلى الآن ) وقد أتاك الآن فتنبه له، وهذا قول الكلبي. ويحتمل أن يكون قد أتاه ذلك في الزمان المتقدم فكأنه قال : أليس قد أتاك، وهذا قول مقاتل والضحاك عن ابن عباس، وهذا وإن كان على لفظ الاستفهام الذي لا يجوز على الله على لكن المقصود منه تقرير الخبر في قلبه، وهذه الصورة أبلغ في ذلك كقولك لصاحبك : هَلْ بلغكَ عني كذا؟ فيتطلع السامع إلى معرفة ما يرمي إليه، ولو كان المقصود هو الاستفهام لكان الجواب يصدر من قِبَل موسى لا من قِبَل الله ( تعالى ).
قوله :» إذْ رَأَى « يجوز أن يكون منصوباً بالحديث وهو الظاهر ويجوز أن ينتصب ب ( اذكر ) مقدراً قاله أبو البقاء. أو بمحذوف بعده، أي إذا رأى ناراً كان كيت وكيت كما قاله الزمخشري. و » هَلْ « على بابها من كونها استفهام تقرير. وقيل : بمعنى قد. وقيل : بمعنى النفي. وقرأ » لإِهْلِهُ امْكُثُوا « بضم الهاء حمزة، وقد تقدم أنه الأصل وهو لغة الحجاز.
وقاله أبو البقاء : إن الضم ( للإتباع ).
قوله :» آنَسْتُ « أي أبصرت، والإيناس : الإبصار والتبيُّن ومنه إنسان العين، لأنه يبصر به الأشياء، والإنس لظهورهم كما قيل : الجن لاستتارهم. وقيل : هو الوجدان. وقيل : هو الإحساس فهو أعم من الإبصار. وأنشدوا للحارث بن حلزة :
والقَبَس : الجَذْوَةُ من النار، وهي الشعلة في رأس عود أو قصبة و نحوها وهو فعلٌ بمعنى مفعول كالقَبَض والنَّفَض بمعنى المقبوض والمنفوض. ويقال : إن فعل وأَفْعَل يقالان في المعنيين فيقال : قَبَسْتُه ناراً وعِلماً وأَقْبَستُهُ أيضاً ( ناراً وعلماً ) وقوله :» مِنْهَا « يجوز أن يتعلق ( ب » آتِيكُمْ « أو ) بمحذوف على أنه حال من » قَبَس « وأما بعضهم ألف » هُدًى « وقفاً، والجيد أن لا تُمال، لأن الأشهر أنها بدل من التنوين.٣٦٤٢- آنَسْتُ نَبْأَةً وَأَفْزَعَهَا القُن نَاصُ عَصْراً وَقَدْ دَنَا الإمْسَاءُ
فصل
قال المفسرون : استأذن موسى شعيباً في الرجوع من مَدْيَنَ إلى مصر لزيارة والدته وأخته، فأذن له، فخرج بأهله، وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام.