قوله تعالى :« وَأنَا اخْتَرْتُكَ » أي للرسالة والكلام.
قرأ حمزة « وَ » أنَّا اخْتَرْنَاكَ « بفتح الهمزة فضمير المتكلم المعظم نفسه.
وقرأ السلمي والأعمش وابن هرمز كذلك إلا أنهم كسروا الهمزة.
والباقون :» وَأنَا اخْتَرْتُكَ « بضمير المتكلم وحده. وقرئ » أَنِّي اخْتَرْتُكَ « بفتح الهمزة.
فأما قراءة حمزة فعطف على قوله » أنِّي رَبُّكَ أَنَا رَبُّكَ « وذلك أنه يفتح الهمزة هناك ففعل ذلك لما عطف غيرها عليها. وجوز أبو البقاء أن يكون الفتح على تقدير : وَلأنّا اخْتَرْنَاكَ فَاسْتَمِعْ، فعلقه باسْتَمِعْ. والأول أولى.
ومن كسرها فلأنه يقرأ » إنِّي أنَا رَبُّكَ « بالكسر. وقراءة أُبي كقراءة حمزة بالنسبة للعطف. ومفعول » اخْتَرْتُكَ « الثاني محذوف، أي اخترتك من قومك.
قوله :» لِمَا يُوحَى « الظاهر تعلقه ب » اسْتَمِع « ويجوز أن تكونَ اللام مزيدة في المفعول على حد قوله تعالى » رَدِفَ لَكُمْ « وجوَّز الزمخشري وغيره أن تكون المسألة من باب التنازع بين » اخْتَرْتُكَ « وبين » اسْتَمِعْ « كأنه قيل :» اخْتَرْتُكَ لِمَا يُوحَى فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى «. قال الزمخشري : فعلق اللام باسْتَمِعْ أو باخْتَرْتُكَ وقد رد أبو حيان هذا بأن قال : ولا يجوز التعليق باخْتَرْتُكَ لأنه من باب الإعمال فكان يجب أو يختار إعادة الضمير مع الثاني، فكان يكون : فاسْتَمِعْ لَهُ لِمَا يُوحَى، فدل على أنه من باب إعمال الثاني.
قال شهاب الدين : والزمخشري عنى التعليق المعنوي من حيث الصلاحية وأما تقدير الصناعة فلم يَعْنِهِ.
( و » ما « ) يجوز أن تكون مصدرية وبمعنى الذي، أي فاسْتَمِعْ للوحي أو للذي يوحى ).
فصل
هذهالآية تدل على النبوة لا تحصل بالاستحقاق، لأن قوله :» وَأَنَا اخْتَرْتُكَ « يدل على أن ذلك المنصب العالي إنما حَصَل لأنه تعالى اختاره له ابتداء لا أنه يستحقه على الله تعالى.
وقوله :» فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى « أي : إليك فيه نهاية الهيبة والجلالة كأنه قال : لَقَدْ جَاءَك أمْرٌ فتأهَّبْ له، واجعَلْ كلَّ عقلك وخاطرِك مصروفاً إليه.
ثم قال :» إنَّنِي أَنَا لاَ إلَه إلاَ أَنَأ فَأعْبُدْنِي « ولا تعبد غيري، وهذا يدل على أن علم الأصول مقدم على علم الفروع : لأن التوحيد من علم الأصول والعبادة من علم الفروع.
وأيضاً فالفاء في قوله :» فَاعْبُدْنِي « تدل على أن عبادته إنما لزمت لإلهِيَّتِهِ.
فصل
احتجُّوا بهذه الآية على أنه يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة من وجهين :
الأولك أنه تعالى بعد أن أمره بالتوحيد أمره بالعبادة، ولم يذكر كيفية العبادة فثبت أنه يجوز ورود المجمل منفكاً عن البيان.
الثاني : أنه قال :» أَقِم الصَّلاَةَ لِذِكْرِي « ولم يبين كيفية الصلاة.