قوله تعالى :﴿ إِنَّ الساعة آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا ﴾.
( لمَّا خاطب موسى عليه السلام بقوله :« فَاعْبُدْنِي وَأَقِم الصَّلاَةَ لِذِكْرِي » أتبعُه بقوله :« إنَّ السَّاعَة آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيَها »، وما أليق هذا بتأويل من تأوّل قوله :« لِذِكْرِي » أي لأذكرك بالإثابة والكرامة فقال عقيب ذلك « إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ » لأنها وقت الإثابة ووقت المجازاة، ثم قال :« أَكَادُ أُخْفِيَهَا ». العامة على ضم الهمزة من « أَخْفِيَها ».
وفيها تأويلات :
أحدها : أن الهمزة في « أُخْفِيهَا » للسلب والإزالة، أي : أزيل خفاءها نحو : أَعْجَمْتُ الكتابَ أي : أزلت عجمتَه، وأشكيتُه أي أزلت شكواه، ثم في ذلك معينان :
أحدهما : أن الخفاءَ بمعنى ( الستر )، ومتى أزال سترها فقد أظهرها، والمعنى : أنها لتحقّق وقوعها وقربها أكاد أظهرها لولا ما تقتضيه الحكمة من التأخير.
والثاني : أن الخفاءَ هو الظهور كما سيأتي، والمعنى : أزيل ظهورها، وإذا أزال ظهورها فقد استترت، والمعنى : أن لشدّة إبهامها أكادُ أخفيهَا فلا أظهرها ألبتة وإن كان لا بد من إظهارها، ولذلك يوجد في بعض المصاحف كمصحف أُبَيّ :« أَكَادُ أُخْفِيَهَا من نفسي فكيف أظهركم عليها » وهو على عادة العرب في المبالغة في الإخفاء، قال الشاعر :
٣٦٤٤- أَيَّامَ تَصْحَبُنِي هِنْدٌ وَأُخْبِرُهَا | مَا كِدْتُ أَكْتُمُهُ عَنِّي مِنَ الخَبَرِ |
والتأويل الثاني : أن ( كَادَ ) زائدة قاله ابن جبير، وأنشد غيره شاهداً عليه قول زيد الخيل :
٣٦٤٥- سَريعٌ إلَى الهَيْجَاءِ شَاكٍ سِلاَحَهُ | فَمَا إنْ يَكَادُ قِرْنُهُ يَتَنَفَّسُ |
٣٦٤٦- وَأَنْ لا أَلُومُ النَّفْسَ مِمَّا أَصَابَنِي | وَأَنْ لاَ أَكَادُ بالَّذِي نِلْتُ أنْجَحُ |
والتأويل الثالث : أنَّ الكيدَ ورد بمعنى الإرادة، قاله الأخفش وجماعة، وهو قول إبِي مسلم، فهو كقوله :« كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ » ومن أمثالهم المتداولة « لا أفْعَلُ ذَلِكَ وَلا أَكَادُ.
أي : لا أُريد أَنْ أفعله، وهذا ) لا ينفع فيما قصدوه.
التأويل الرابع : أنَّ خبرها محذوف، تقديره : أكادُ آتِي بها لقُرْبِها، وأنشدوا قول ضابئ البرجمي :
٣٦٤٧- هَمسْتُ وَلَمْ أفْعَلْ وكِدْتُ وَلَيْتَنِي | تَرَكْتُ عَلى عُثْمَانَ تَبْكِي حَلاَئِلُهُ |
وذكر ابن الخطيب هنا سؤالاً : فقال : إنَّ ( كادَ ) نفيه إثبات وإثباته نفي، قال تعالى :» وَمَا كَادُوا يَفْعَلُون «، أي : ففعلوا ذلك، فقوله :» أكَادَ أُخْفِيَها « يقتضي أنه ما أخفاها.