وقيل : إنما ردَّ موسى علم ذلك إلى الله، لأنه لم يعلم ذلك فإن التوراة أنزلت بعد هلاك فرعون والمراد بالكتاب : اللوحُ المحفوظ.
قوله :﴿ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ﴾ في خبر هذا المبتدأ وجوه :
أحدها : أنَّه « عِندَ رَبِّي » وعلى هذا فقوله :« فِي كِتَابٍ » متعلق بما تعلق به الظرف من الاستقرار، أو متعلق بمحذوف على أنه حال من الضمير المستتر في الظرف، أو خبر ثان.
الثاني : أن الخبر قوله :﴿ عِندَ رَبِّي ﴾، فَعَلى هذا قوله :﴿ فِي كِتَابٍ ﴾ معمول للاستقرار الذي تعلق به « في كتاب » كما تقدم في عكسه، أو يكون حالاً من الضمير المستتر في الجار الواقع خبراً، وفيه خلاف أعني تقديم الحال على عاملها المعنوي، والأخفش يجيزه ويستدل بقراءة :﴿ والسماوات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ [ الزمر : ٦٧ ] وقوله :
٣٦٦٢- رَهْطُ ابْنِ كُوزٍ مُحْقِبي أَدْرَاعِهِمْ | فِيِهِمْ وَرَهْطُ رَبِيعَةَ بن حُذَارِ |
الثالث : أن يكون الظرف وحرف الجر معاً خبراً واحداً في المعنى فيكون بمنزلة : هذا حلوٌ حامضٌ، قاله أبو البقاء. وفيه نظر إذ كل منهما يستقل بفائدة الخبرية بخلاف هذا حُلْوٌ حامِضٌ. والضمير في « عِلْمُهَا » فيه وجهان : أظهرهما : عوده على « القُرُونِ » والثاني : عوده على القيام لدلالة ذكر « القُرُونِ » على ذلك لأنه سأله عن بعث الأمم، والبعث يدل على يوم القيامة.
قوله :﴿ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي ﴾ في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنَّها في محل جر صفة ل « كِتَاب »، والعائد محذوف تقديره : فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّه رَبِّي، أو لا يضل حفظَه رَبِّي، ف « رَبِّي »، فاعل « يَضِلُّ » على هذا التقدير.
وقيل : تقديره : لا يَضِلُّ الكتابُ رَبِّي، فيكون في « يَضِلُّ » ضمير يعود على الكتاب، و « رَبِّي » منصوب على التعظيم، وكان الأصل عن ربي، فحذف الرحف اتساعاً.
يقال : ضَلِلْتُ كذا وضَلِلْتُه بفتح اللام وكسرها لغتان مشهورتان وأشهرهما الفتح.
والثاني : أنها مستأنفة لا محل لها من الإعراب -ساقها الله- تعالى- لمجرد الإخبار بذلك حكاية عن موسى.
وقرأ الحسن وقتادة والجحدري وعيسى الثقفي وابن محيصن وحماد بن سلمة « لا يَضِلُّ » بضم الياء، أي لا يُضِلُّ رَبِّي الكِتَابَ، أي : لا يضيعُه، يقال : أضْلَلْتُ الشيء أي أضعته و « رَبِّي » فاعل على هذا التقدير.