وقيل : تقديره : لا يُضِلُّ أحدٌ رَبِّي عن علمه، أي من علم الكتاب، فيكون الربُّ منصوباً على التعظيم. وفرِّق بعضهم بين ضَلَلْت وأَضْلَلْتُ، فقال : ضَلَلْتُ منزلي بغير ألف، وأضْلَلْتُ بعيري ونحوه من الحيوان بالألف، نقل ذلك الرماني عن العرب.
وقال الفراء : يقال : ضَلَلْتُ الشيْءَ إذا أخطأت في مكانه، وَضَلِلْتُ لغتان، فلم تهتد له كقوله : ضلَلْتُ الطريقَ والمنزلَ، ولا يقال : أَضْلَلْتُه إلا إذا ضاع منك كالدابة انفلتت وشبهها.
قوله :« وَلاَ يَنْسَى » في فاعل « يَنْسَى » قولان :
أحدهما : أنه عائد على « رَبِّي » أي : ولا يَنْسَى رَبِّي ما أثبته في الكتاب.
والثاني : أن الفاعل ضمير عائد على « الكِتَابِ » على سبيل المجاز كما أسند إليه الإحصاء مجازاً في قوله :« إلا أحْصَاهَا » لما كان محلاً للإحصاء.
فصل
قال مجاهد في قوله :﴿ لاَّ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى ﴾ : إن معنى اللفظين واحد أي : لا يذهب عليه شيء ولا يخفى عنه. وفرق الأكثرون بينهما، فقال القفال : لا يَضِلُّ عن الأشياء ومعرفتها، وما عُلِم من ذلك لم ينسه، فاللفظ الأول إشارة إلى كونه عالماً بكل المعلومات، وقوله :« وَلاَ يَنْسَى » دليلٌ على بقاء ذلك العلم أبد الآباد، وهو إشارة إلى نفي التغير.
وقال مقاتل : لا يخطئ ذلك الكتاب رَبِّي، ولا يَنْسَى ما فيه.
( وقال الحسن : لا يخطئ وقت البعث ولا ينساه. وقال أبو عمرو : وأصل الضلال الغيبوبة، والمعنى : لا يغيب عن شيء ولا يغيب عنه شيء.
وقال ابن جرير : لا يُخطئ في التدبير، فيعتقد فيما ليس بصواب كونه صواباً، وإذا عرفه لا ينساه ). وكلها متقاربة، والتحقيق هو الأول. واعلم أن فرعون لمَّا سال موسى عن الإله فقال :« فَمَنْ رَبُّكُمَا » وكان ذلك ممّا سبيله الاستدلال، أجاب بالصواب بأوجز عبارة، وأحسن معنى، ولما سأله عن القُرون الأولى، وكان ذلك مما سبيله الإخبار لم يأته خبرمن ذلك، وكلها إلى عالم الغُيوب.
قوله :﴿ الذي جَعَلَ لَكُمُ ﴾ في هذا الموصول وجهان :
أحدهما : أنه خبر مبتدأ مضمر، أو منصوب بإضمار أمدح، وهو على هذين التقديرين من كلام الله تعالى لا من كلام موسى، وإنما احتجنا إلى ذلك، لأن قوله :« فَأَخْرَجْنَا بِهِ » وقوله :﴿ كُلُواْ وارعوا أَنْعَامَكُمْ ﴾ وقوله :« مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ » إلى قوله :﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ ﴾ لا يتأتى أن يكون من كلام موسى يعني : أنه وصف ربَّه تعالى بذلك، ثم التفت إلى الإخبار عن الله -تعالى- بلفظ التكلم؟
قيل : إنما جعلناه التفاتاً في الوجه الأول، لأت المتكلم واحد بخلاف هذا فإنه لا يتأتى فيه الالفتات المذكور وأخواته من كلام الله.