والثاني : أن « الَّذِي » صفة ل « رَبِّي »، فيكون في محل رفع أو نصب على حسب ما تقدم من إعراب « رَبِّي ». وفيه ما تقدم من الإشكال في نظم الكلام من قوله :« فَأخْرَجْنَا » وأخواته من عدم جواز الالتفات، وإن كان قد قال بذلك الزمخشريي والحوفي. وقال ابن عطية : إن كلام موسى تم عند قوله :﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً ﴾ وأن قوله :« فَأخْرَجْنَا » إلى آخره من كلام الله تعالى. وفيه وقرأ الكوفيون « مَهْداً » بفتح الميم وسكون الهاء من غير ألف. والباقون :« مَهَاداً » بكسر الميم وفتح الحاء وألف بعدها. وفيه وجهان :
أحدهما : ثال المفضل : إنَّهما مصدران بمعنى واحد يقال : مَهَّدْتُهُ مَهْدًا ومِهَاداً.
والثاني : أنهما مخلفان، فالمِهَادُ هو الاسم، والمَهْد هو الفعل كالفرش والفراش، فالفَرْش المصدر، والفراش اسم لما يُفْرَش. أو أن مِهَاداً جمع مَهْد نحو فَرْخ وفرَاخ وكَعْب وكِعَاب. ووصف الأرض بالمَهْد إما مبالغة، وإما على حذف مضاف أي ذات مَهْدِ.
قال أبو عبيد : الذي اختاره مِهَاداً وهو اسم والمَهْد الفعل.
وقال غيره : المَهْد الاسم والمِهَادُ الجمع كالفَرْش والفِرَاشِ.
أجاب أبو عبيد : بأن الفَرْشَ والفِرَاشَ فعل.
قوله :« شَتَّى » فَعْلَى، وألفه للتأنيث، وهو جمع الشَّتيت نحو مَرْضَى في جميع مَرِيض، وجَرْحَى في جمع جَرِيح، وقتلى في جمع قتيل.
يقال : شَتَّ الأمرُ يَشِتُّ شَتًّا وَشَتَاتاً فهو شَتٌّ أي تفرق، وشَتَّان اسم فعل ماض بمعنى : افْتَرَقَ، ولذلك لا يكتفي بواحد. وفي « شَتَّى » أوجه :
أحدها : أنَّها منصوبةٌ نعتاً لأزواج، أي أزواجاً متفرقة، بمعنى مختلفة الألوان ( والطعوم ).
والثاني : أنَّها منصوبةٌ على الحال من أزواج، وجاز مجيء الحال من النكرة لتخصصها بالصفة، وهي « مِنْ نَبَاتٍ ».
الثالث : أن تنتصب على الحال أيضاً من فاعل الجار، لأنه لما وقع وصفاً وقع ضميراً فاعلاً.
الرابع : أنه في محل جر نعتاً لنبات، قال الزمخشري : يجوز أن يكون صفة لنبات، ونبات مصدر سمي به النبات كما سمي بالنبت، واستوى فيه الواحد والجمع، يعني : أنها شَتَّى مختلفة النفع والطعم واللون والرائحة والشكل، بعضها يصلح للناس وبعضها للبهائم ووافقه أبو البقاء أيضاً، والظاهر الأول.
قوله :« كُلُوا » منصوب بقول محذوف، وذلك القول منصوب على الحال من فاعل « أخْرَجْنَا » تقديره : فأخرَجْنَا كَذَا قائلينَ كُلُوا.
وترك مفعول الأكل على حد تركه في قوله تعالى :« وَكُلُوا واشْرَبُوا » « وارْعُوا » ( رعى ) يكون لازماً ومتعدياً، يقال : رَعَى دابَّته رعياً فهو راع، ورعى الدابة تَرْعَى رعياً فهي راعية، وَجَاء في الآية متعدياً، و « النُّهَى » فيه قولان : أحدهما أنه جمع نُهْيَة كغُرَف جمع غرفة.
والثاني : أنَّها اسمٌ مفرد، وهو مصدر كالهُدَى والسُّرى، قاله أبو عليّ وقد تقدم أول الكتاب أنهم قالوا لم يأت مصدر على « فُعَلٍ » من المعتل اللام إلا سُرَى وهُدَى وبُكَى، وأن بعضهم زاد لُقَى، وأنشد عليه بيتاً.