قوله :﴿ فتولى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أتى ﴾ التَّولِّي : قد يكون إعراضاً وقد يكون انصرافاً، والظاهر أنه هنا بمعنى الانصراف، وهو مفارقة موسى عن الحق « فَجَمَعَ كَيْدَهُ » مكره، وقومه، وحيله، وسحرتهن وآلاته « ثُمَّ أتَى » الموضع بما جمعه.
قال ابن عباس : كانوا اثنين وسبعين ساحراً مع كل واحد منهم حبل وعصا.
وقيل : كانوا أربعمائة. وقال كعب : اثني عشر ألفاً. وقيل : أكثر من ذلك. ثم ضربت لفرعون قبة فجلس فيها ينظر إليها، وكان طول القبة سبعون ذراعاً. فقال لهم موسى عند ذلك يعني للسحرة الذين جمعهم فرعون ﴿ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى الله كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ﴾ أي : لا تزعموا أن الذي جئت به ليس بحق، وأنه سحر، وأنكم متمكنون من معارضتي، فَيُسْحِتَكم الله بعذاب أي : فيهلككم، قاله مقاتل والكلبي.
وقال قتادة : فيستأصلكم ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنِ افترى ﴾.
الخيبة : الحرمان والخسران.
قوله :« وَيْلَكُمْ » قال الزجاج : يجوز في انتصاب « وَيْلَكُمْ » أن يكون المعنى ألزمهم الله وَيْلاً إن افتروا على الله، ويجوز على النداء كقوله :﴿ ياويلتا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ ﴾ [ هود : ٧٢ ] ﴿ قَالُواْ ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ﴾ [ يس : ٥٢ ].
قوله :« فَيُسْحِتَكُمْ » قرأ الأخوان وحفص عن ( عاصم « فَيُسْحِتَكُم » بضم الياء وكسر الحاء. والباقون بفتحهما.
فقراءة الأخوين من أسْحَتَ رباعياً وهي لغة نجد وتميم.
قال ) الفرزدق التميمي :

٣٦٦٤- وعَضَّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ مَنَ المَالِ إلاَّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلِّفُ
وقراءة الباقين من سحته ثلاثياً وهي لغة الحجاز، وأصل هذه المادة لدلالة على الاستقصاء والنفاد، ومنه سحت الحالق الشعر الذي استقصاه، فلم يترك منه شيئاً، ويستعمل في الإهلاك والإذهاب، ونصبه بإضمار أن في جواب النهي.
ولمَّا أنشد الزمخخشري قول الفرزدق :
................................ .......... ( إلاَّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلَّفُ )
قال بعد ذلك : في بيت لم تزل الرُّكَبُ تصطك في تسوية إعرابه.
قال شهاب الدين : يعني : أن هذا البيتَ صعبُ الإعراب، وإذ قد ذكر ذلك فلنذكر ما ورد في هذا البيت من الروايات، وما قاله الناس في ذلك على حسب ما يليق بهذا الموضوع، فأقول وبالله الحول : روي هذا البيت بثلاث روايات كل واحدة لا تخلو من ضرورة. الأولى :( لَمْ يَدَع ) بفتح الياء والدال، ونصب مُسْحَت وفي هذه خمسة أوجه :
الأول : أن معنى ( لَمْ يَدْعُ مِنَ المَالِ مُسْحَتاً ) لم يبق إلا مُسْحَتٌ، فلما كان هذا في قوة الفاعل عطف عليه قوله :( أو مُجَلَّفُ ) ( بالرفع )، وبهذا البيت استشهد الزمخشري على قراءة أبَيّ والأعمش ﴿ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ﴾ [ البقرة : ٢٤٩ ] ( برفع قليل ) وقد تقدم.
الثاني : أنه مرفوع بفعل مقدر دل عليه ( لَمْ يَدَع ) والتقدير : أو بقي مُجَلَّف.
الثالث : أن ( مُجَلَّف ) مبتدأ وخبره مضمر، تقديره : أو مُجَلَّفٌ كذلك وهو تخريج الفراء.


الصفحة التالية
Icon