وأما قراءة الباقين ففيها أوجه :
أحدها : أنَّ « إنَّ » بمعنى نَعَمْ، و « هَذَانِ » مبتدأ، و « لَسَاحِرَانِ » خبره، وكن ورود « إنَّ » بمعنى نَعَم قوله :
٣٦٦٥- بَكَرَ العَوَاذِلُ في المَشي | بِ يَلُمْنَنِي وَألُومُهُنَّهْ |
وَيَقُلْنَ شَيْبٌ قَدْ عَلاَ | كَ وَقَدْ كَبِرْتَ فَقُلْتُ إنَّهْ |
وهذا رأي المبرد وعلي بن سليمان.
وهو مردود من وجهين :
أحدهما : عدم ثبوت « إنَّ » بمعنى « نَعَمْ » وما أوردوه يؤول، أما البيت فإن الهاء اسمها، والخبر محذوف لفهم المعنى تقديره : إنَّه كذلك، وأما قول ابن الزبير فذاك من حذف المعطوف عليه وإبقاء المعطوف، وحذف خبر « إنَّ » للدلالة عليه تقديره : إنها وصاحبها ملعونان وفيه تكلف لا يخفى.
والثاني : دخول اللام على خبر المبتدأ دون المؤكد بأنَّ المكسورة، لأن مثله لا يقع إلا ضرورة، كقوله :
٣٦٦٦- أُمُّ الحُلَيْسِ لَعَجُوزٌ شَهْرَبَهْ | تَرْضَى مِنَ اللَّحْمِ بِعَظْمِ الرَّقَبَهْ |
الثاني : أنَّ اسمها ضمير القصة وهو « ها » التي قبل « ذَان » ِ، وليست ب « ها » التي للتنبيه الداخلة على أسماء الإشارة، والتقدير : إنها القصة ذَانِ لسَاحِرَانِ.
وقد ردوا هذا من وجهين :
أحدهما : من جهة الخط ( وهو أنه ) لو كان كذلك لكان ينبغي أن يكتب إنها، فيصلوا الضمير بالحرف قبله كقوله تعالى :﴿ فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الأبصار ﴾ [ الحج : ٤٦ ] فكتبهم إياها مفصولة من « إنَّ » متصلة باسم الإشارة يمنع كونها ضميراً وهو أوضح.
الثاني : أنه يؤدي إلى دخول لام الابتداء في الخبر غير المنسوخ وقد يجاب عنه بما تقدم.
الثالث : أن اسمها ضمير الشأن محذوف والجملة من المبتدأ والخبر بعده في محل رفع خبر لأن التقدير : إنه أي : الأمر والشأن. وقد ضعف هذا بوجهين :
أحدهما : حذف اسم « إنَّ » وهو غير جائز إلا في شعرٍ بشرط أن لا تباشر « إنَّ » فعلاً، كقوله :
٣٦٦٧- إنَّ مَنْ يَدْخُل الكَنِيسَةَ يَوْماً | يَلْقَ فِيهَا جَآذِراً وَظِبَاءا |
الرابع : أنَّ « هَذَانِ » اسمها و « لَسَاحِرَانِ » خبرها.
وقد رد هذا بأنه كان ينبغي أن يكون « هَذَيْنِ » بالياء كقراءة أبي عمرو، وقد أجيب عن ذلك بأنه على لغة بني الحرث وبني الصَّخم وبني العنبر وزبيد وعذرة وسراة وخثعم وكِنَانَة، وحكى هذه اللغة الأئمة الكبار كأبي الخطاب وأبي زيد الأنصاري ( والكسائي ).