قال أبو زيد : سمعت من العرب من ينقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفاً، يجعلون المثنى كالمقصور، فيثبتون ألفاً في جميع أحواله، ويقدرون إعرابه بالحركات، وأنشدوا قوله :

٣٦٦٨- فَأَطْرَقَ إطْرَاقَ الشُّجَاعِ وَلَوْ يَرَى مَسَاغاً لِنَابَاهُ الشُّجَاعُ لَصَمَّمَا
أي لنابيْه.
وقوله :
٣٦٦٩- إنَّ أَبَاهَا وَأَبَا أَبَاهَا قَدْ بَلَغَا في المَجْدِ غَايَتَاهَا
أي غايتيها.
قال الفراء : وحكى بعض بني أسد قال : هذا خطُّ يدَا خطُّ أخي أعرفه وقال قطرب : هؤلاء يقولون : رأيتُ رجلاَنِ، واشتريت ثوبَانِ قال : وقال رجل من بني ضبة جاهليّ :
٣٦٧١- ( أعْرِفُ مِنْهَا الأنْفَ وَالعَيْنَانَا وَمَنْخِرَيْنِ أَشْبَهَا ظَبْيَانَا )
وقال آخر :
٣٦٧١- كَأنَّ صَرِيفَ نَابَاهُ إذَا مَا أَمَرَّهُمَا قَدِيمَ الخَطْبَانِ
( الخطبان : ذكر الصِّرْدَان ).
وروى ابن جني عن قطرب :
٣٦٧٢- هِيَّاكَ أنْ تَبْكِي بِشَعْشَعَانِ خَبِّ الفُؤَادِ مَائِلِ اليَدَانِ
قال الفراء : وذلك -وإن كان قليلاً- أقيس. لأن ما قبل حرف التثنية مفتوح فينبغي أن يكون ما بعده ألفاً لانفتاح ما قبلها وذكر قطرب أنهم يفعلون ذلك فراراً إلى الألف التي هي أخف حروف المد ويقولون : كسرتُ يداه، وركبتُ علاه، يعني يديه وعليه، وقال شاعرهم :
٣٦٧٣- تَزَوَّدَ مِنَّا بَيْنَ أذْنَاهُ ضَرْبَةً دَعَتْهُ إلى هَابِي التُّرَابِ عَقِيم
إلى غير ذلك من الشواهد.
واستدل لقراءة أبي عمرو بأنها قراءة عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير، روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -Bها- أنها سئلت عن قوله تعالى :﴿ إِنْ هذان لَسَاحِرَانِ ﴾ وعن قوله :﴿ والصابئون والنصارى ﴾ ( في المائدة : ٦٩ )، وعن قوله :﴿ لكن الراسخون فِي العلم مِنْهُمْ ﴾ [ النساء : ١٦٢ ] إلى قوله :﴿ والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة ﴾ [ النساء : ١٦٢ ]، فقالت : يا ابن أخي هذا خطأ من الكاتب. وروي عن عثمان أنه نظر في المصحف، فقال : أرى فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها.
وعن ابن عمرو أنه قال : إنِّي لأَسْتَحي أن أقرأ ﴿ أنْ هذان لَسَاحِرَانِ ﴾.
وقرأ ابن مسعود :« وَأسَرُّوا النَّجْوَى أنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ » بفتح « أن » وإسقاط اللام على أنها وما في خبرها بدل من « النَّجْوَى » كذا قاله الزمخشري، وتبعه أبو حيان ولم ينكره، وفيه نظر، لأن الاعتراض بالجملة القولية مفسرة للنجوى في قراءة العامة. وكذا قاله الزمخشري أولاً فكيف يصح أن يجعل ﴿ أنْ هذان لَسَاحِرَانِ ﴾ بدلاً من النجوى؟
وقرأ حفص عن عاصم بتخخفيف النونين.
وعن الأخفش :﴿ إنْ هذان لَسَاحِرَانِ ﴾ خفيفة بمعنى ثقيلة وهي لغة لقوم يرفعون بها ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التني تكون في معنى ( ما ).
وروي عن ابن أبي كعب ﴿ ما هذان إلاَّ لَسَاحِرَانِ ﴾، وروي عنه أيضاً ﴿ إنْ هذان إلاَّ لَسَاحِرَانِ ﴾، وعن الخليل بمثل ذلك.
وعنة أُبَيِّ أيضاً :﴿ إنْ ذَانِ لَسَاحِرَانِ ﴾.

فصل


قال المحققون : هذه القراءات لا يجوز صحيحها، لأنها منقولة بطريق الآحاد، والقرآن يجب أن يكون منقولاً بالتواتر، ولو جوزنا إثبات زيادة في القرآن بطريق الآحاد لما أمكننا القطع بأن هذا الذي هو عندنا كل القرآن، لأنه لما جاز في هذه القراءات أنها من القرآن مع كونها ما نقلت بالتواتر، ولو جوزنا إثبات زيادة في القرآن بطريق الآحاد لما أمكننا القطع بأن هذا الذي هو عندا كل القرآن، لأنه لما اجاز في هذه القراءات أنها من القرآن مع كونها ما نقلت بالتواتر جاز في غيرها ذلك.


الصفحة التالية
Icon