فثبت أن تجويز كون هذه القراءات من القرآت يطرق جواز الزيادة والنقصان والتغيير في القرآن، وذلك يُخرج القرآن عن كونه حجة، ولما كان ذلك باطلاً فكذلك ما قرئ.
واما الطعن في القراءة المشهورة فلو حكمنا ببطلانها جاز مثله في جميع القرآن، وذلك يُفضِي إلى القدح في التواتر، وإلى القدح في كل القرآن، وهو باطل، وإذا ثبت ذلك امتنع صيرورته معارضاً بخبر الواحد المنقول عن بعض الصحابة.
وأيضاً : فإن المسلمين أجمعوا على أنَّ ما بين الدفتين كرمُ الله، وكلام الله لا يجوز أن يكون لحناً وغلطاً ولذلك ذكر النحويون وجه تصحيح القراءة المشهورة كما تقدم.
فصل
اعلم أنه تعالى لما ذكر ما أسروه من النجوى حكى عنهم ما أظهروه بما يدل على التنفير عن متابعة موسى، وهو أمور :
أحدها : قولهم « إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ » وهذا طعن منهم في معجزات موسى ومبالغة في التنفير عنه، لأن كل طبع سليم ينفر عن السحر وعن رؤية الساحر لأنَّ الإنسان يعلم أن السِّحْر لا بقاء له، فإذا اعتقدوا فيه السحر قالوا : كيف نتبعه، وهو لا بقاء له ولا لدينه؟
وثانيها : قوله :﴿ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ ﴾ وهذا نهاية التنفير، لأن مفارقة الوطن والمنشأ شديدة على القلب. وهذا كقول فرعون : تُرِيدُ أنْ تُخْرِجَنَا مِنْ أرْضِنَا يا مُوسَى، فكأنَّ السحرة تلقفوا هذه الشبهة من فرعون ثم أعادوها.
وثالثها : قوله :﴿ وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المثلى ﴾، وهذا أيضاً له تأثير شديد في القلب، فإن العدو إذا استولى على جميع المناصب والأشياء التي يرغب فيها كذلك يكون في نهاية المشقة على القلب. قال ابن عباس : يَعْني براءة قومِكم وأشْرَافِهم يقال : هؤلاء طريقة قومهم أي : أشْرَافُهُمْ.
والمُثْلَى تأنيثُ الأمْثَلِ ( وهو الأفضل. وسمي بالأفضل بالأمثل )، لأن الأمثل هو الأشبه بالحق وقيل : الأَمْثَلُ : الأوضح الأظهر وحدث الشعبي عن عليٍّ قال : يصرفان وجوه الناس إليهما.
وقال قتادة :« طَرِيقَتُكُمْ المثْلَى » يومئذ بنو إسرائيل، كانوا أكثر القوم عدداً ( وأموالاً )، فقال عدو الله يريد أن يذهبا بهم لأنفسهم.
وقيل : بطريقتكم أي بسنتكم ودينكم الذي أنتم عليه. والمُثْلَى : نعت الطريقة، تقول العرب : فلان على الطريقة المُثْلَى يعني على الهدى المستقيم.
وقيل : الطريقة المُثْلى الجاه والمنصب والرياسة.
قوله :« بِطَرِيقَتِكُمْ » الياء مُعَدِّية كالهمزة، والمعنى بأهل طريقتكم. قال الزجاج : هذا من باب حذف المضاف. وإذا كانت الطريقة عبارة عن العادة فلا حذف.