وجوَّز ابن عطية أيضاً أنه مفعول من أجله. ونقل ابن جبارة الهذلي : قراءة أبي السمال :« تُخَيِّل » بضم التاء من فوق وكسر الياء، فالفعل مسند لضمير الحبال، و « أنَّهَا تَسْعَى » مفعول، أي : تُخَيَّل الحبال سعيها.
ونسب ابن عطية هذه القراءة للحسن وعيسى الثقفي.
وقرأ أبو حيوة :« نُخَيِّل » بنون العظمة، و « أنَّهَا تَسْعَى » مفعول به أيضاً على هذه القراءة.
وقرأ الحسن والثقفي « عُصيِّهم » بضم العين حيث وقع، وهو الأصل، وإنما كسرت العين إتباعاً ( للصاد، وكسرت الصاد إتباعاً ) للياء نحو دَلْو ودِلِيّ، وقوس وقِسّيِ، والأصل : عُصُوو، بواوين فأًُعِلَّ كما ترى بقلب الواوين ياءين استثقالاً لهما، فكسرت الصاد لتصح الياء، وكسرت العين إتباعاً.
ونقل صاحب اللوامح : أنَّ قراءة الحسن « عُصِيُهُمْ » بضم العين وسكون الصاد وتخفيف الياء مع الرفع، وهو أيضاً جمع كالعامة إلا أنه على فُعْل، والأول على فُعُول كفُلُوس.
والجملة من « تَخَيَّل » يحتمل أن تكون في محل رفع خبراً لهي على أن « إذا » الفجائية فضلة. وأن تكون في محل نصب على الحال على أن « إذا » الفجائية هي الخبر والضمير في « إِلَيْهِ » الظاهر عوده على موسى. وقيل يعود على ( فِرْعَون ) ( ويدل للأول ) قوله تعالى :﴿ ﴾ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً موسى.
وفيه إضمار أي : فألقوا فإذا حبالُهُم وعِصِيُّهم، جمع حبل وعصا.
فصل
قال ابن عباس : أَلْقَوا حِبَالَهُمْ وَعِصيَّهُم وأخذوا أعين الناس فرأى موسى والقوم كأن الأرض امتلأت حيَّات وكانت أخذت مَيْلاً من كل جانب، وأنها تسعى فخاف، و ﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً ﴾ وأوجَسَ : أضمر في نفسه خوفاً. ( وقيل : وجد في نفسه خيفة ).
فإن قيل : كيف استشعر الخوف وقد عرض عليه المعجزات الباهرة كالعصا واليد، فجعل العصا حيَّة عظيمة، ثم إنه تعالى أعادها لما كانت، ثم أعطاه الاقتراحات الثمانية، وذكر ما أعطاه قبل ذلك من المنن وقال له بعد ذلك كله :﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وأرى ﴾ [ طه : ٤٦ ]، فمع هذه المقدمات الكثيرة كيف وقع الخوف في قلبه؟
فالجواب من وجوه : أحدها : قال الحسن :« إن ذلك الخوف إنما كان لطبع البشرية من ضعف القلب وإن كان قد علم موسى أنهم لا يصلون إليه وأن الله ناصره.
والثاني : قال مقاتل : خاف على القوم أن يلتبس عليهم الأمر فيشكوا في أمره، فيظنون أنهم قد ساووا موسى - عليه السلام- ويؤكده قوله تعالى :﴿ لاَ تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأعلى ﴾.
الثالث : خاف حيث بدأوا وتأخر إلقاؤه أن ينصرف بعض القوم قبل مشاهدة ما يلقيه، فيدوموا على اعتقاد باطل.