قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي ﴾ الآية. وفي هذه الآية دلالة على أنَّ موسى -عليه السلام- في تلك ( الحال كثرة مستجيبوه ) فأراد الله تعالى تمييزهم من طائفة فرعون، فأوحى إليه أن يسري بهم ليلاً، والسُّرَى سَيْرُ الليل، والإسراء مثله والحكمة في السُّرَى بهم : لئلا يشاهدهم العدو فيمنعهم عن مرادهم أو ليكون ذلك عائقاً لفرعون عن طلبه ومتبعيه أو ليكون إذا تقارب العسكران لا يرى عسكرُ موسى عسكرَ فرعون فلا يهابونهم.
قوله :﴿ فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً ﴾ في نصب « طريقاً » وجهان :
أحدهما : أنَّه مفعولٌ به، وذلك في سبيل المجاز، وهو أنَّ الطريقَ متسبِّبٌ عن ضرب البحر، إذ المعنى : اضرب البحرَ لينفلق لهم فيصير طريقاً فبهذا يصح نسبة الضرب إلى الطريق. وقيل : ضرب هنا بمعنى جعل، أي : اجعَلْ لهم طريقاً وأشرعه فيه.
والثاني : أنه منصوب على الظرف، قال أبو البقاء : التقدير موضع طريق فهو مفعول به على الظاهر، ونظيره قوله : أن اضْرِب بِعَصَاكَ البَحْرَ وهو مثل ضَربْتُ زيداً. وقيل : ضرب هنا بمعنى جَعَل وشَرَع مثل قولهم : ضَرَبْتُ له بسهم. انتهى. فقوله على الظَّاهر، يعني أنه لولا التأويل لكان ظرفاً. قوله :« يَبَساً » صفة ل « طريقاً » وصف به لِما يؤول إليه، لأنه لم يكن يَبَساً بعد إنَّما مرَّت عليه الصبا فجففته كما روي في التفسير. وقيل : في الأصل مصدر وصف به مبالغة، ( أو على حذف مضاف أو جمع يابس كخادم وخَدَم، وصف به الواحد مبالغة ) كقوله :

٣٦٧٩-...................................... ................ وَمِعًى جِيَاعَا
أي : كجماعة جِياع، وصف به لفرط جوعه.
وقرأ الحسن :« يَبْساً » بالسكون، وهو مصدر أيضاً.
وقيل : المفتوح اسم، ( والساكن مصدر ). وقرأ أبو حَيْوة :« يَابِساً » اسم فاعل جعله بمعنى الطريق. ومن قرأ « يَبَساً » بتحريك الباء، فالمعنى : طريقاً ذا يبس. ومن قرأ بتسكين الباء فهو مخفف عن اليبس فالمعنى ما كان فيه وحل ولا نداوة فضلاً عن الماء، وذلك أن الله -تعالى- أيْبَسَ لهم الطريق في البحر.
قوله :« لاَ تَخَافُ » العامة على « لاَ تَخَافُ » مرفوعاً، وفيه أوجه :
أحدها : أنه مستأنف فلا محل له من الإعراب.
الثاني : أنه في محل نصب على الحال من فاعل « اضْرِب » غير خائف.
والثالث : أنه صفة ل « طريقاً »، والعائد محذوف، أي : لاَ تَخَافُ فيه وحمزة وحده من السبعة :« لاَ تَخَفْ » بالجزم، وفيه أوجه :
أحدها : أن يكون نهياً مستأنفاً.
الثاني : أنَّه نهيٌ أيضاً في محل نصب على الحال من فاعل « اضْرِب »، أو صفة ل « طَريقاً » كما تقدم في قراءة العامة إلا أن ذلك يحتاج إلى إضمار قول، أي مقولاً لك، أو طريقاً مقولاً فيه : لاَ تَخَفْ كقوله :


الصفحة التالية
Icon