قال ابن عبَّاس : إنَّ جبريل عليه السلام قال : يا محمد لو رأتني وأنا أدسّ فرعون في الماء والطين مخافة أن يتوب. فهذا معنى ﴿ فَغَشِيَهُمْ مِّنَ اليم مَا غَشِيَهُمْ ﴾ قال ابن الخطيب : وفي القصة أبحاث :
الأول : قال بعض المفسرين : إن موسى لما ضربَ البحرَ انفرق اثنا عشر طريقاً يابساً، وبقي الماء قائماً بين الطريقين طالطود العظيم وهو الجبل، فأخذ كلُّ سبط من بني إسرائيل في طريق، وهو معنى قوله تعالى :﴿ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كالطود العظيم ﴾ [ الشعراء : ٦٣ ] ومنهم من قال : إنَّما حصل طريق واحد لقوله :﴿ فاضرب لَهُمْ طَرِيقاً فِي البحر يَبَساً ﴾ ويمكن حمله على الجنس.
الثاني : أن قول بني إسرائيل بعد أن أظهر لهم الطرق وبينها تعنتوا وقالوا نريدُ أنْ يرى بعضُنا بعضاً فهذا كالبعيد، لأن القومَ لما أبْصَروا مجيء فرعون صاروا في نهاية الدهاء فكيف اختار إلقاء نفسه في التهلكة، فإنه كان يعلم من نفسه أن انفلاق البَحْر ليس بأمره، وذكروا عند هذا وجهين :
أحدهما : أنَّ جبريل -عليه السلام- كان على الرَّمْكَة فتبعه فرس فرعون. ولقائلٍ أن يقول : هذا بعيد، لأنه يبعد أن يكون خوضُ الملك في أمثال هذه المواضع مقدماً على خوض جميع العسكر. وأيضاً فلو كان الأمر على ما قالوا لكان فرعون في ذلك الدخول كالمجبور، وذلك مما يزيده خوفاً، ويحمله عن الإمساك على الدخول. وأيضاً : فأيُّ حاجةٍ لجبريل عليه السلام إلى هذه الحيلة، وقد كان يمكنه أن يأخذه مع فرسه ويرميه في الماء ابتداء؟ بل الأولى أن يقال : إنه أمر مقدمة العسكر بالدخول فدخلوا وما غرقوا فغلب على ظنه السلامة، فلما دخل أغرقهم الله.
الرابع : أن قولهم عن جبريل إنه كان يدسه في الماء والطين خوفاً من أن يؤمن فبعيد، لأن المنع من الإيمان لا يليق بالملائكة والأنبياء.
الخامس : روي أن موسى عليه السلام كَلَّمَ البحرَ فقال انفلق لي لأعبر، فقال البحر : لا يَمُرُّ عليَّ رجل عاص. وهذا غير ممتنع على أصول أهل السنة، لأن عندهم البنية ليست شرطاً للحياة، وعند المعتزلة أن ذلك على لسان الحال لا على المقال.


الصفحة التالية
Icon