والجواب : اتفقنا على أنَّ الله -تعالى- لم يكن في الجبل، فالمراد إلى مكان وعدك.

فصل


دلت الآية على أنَّه تعالى أمره بحضور الميقات مع قوم مخصوصين فقال المفسرون : هم السَّبعُون الذين اختارهم الله من جملة بني إسرائيل، يذهبون معه إلى الطور ليأخذوا التوراة، فسلر بهم موسى، ثم عجَّل موسى من بينهم شوقاً إلى ربه، وخلق السبعين وأمرهم ان يتبعوه إلى الجبل، فقال الله له :﴿ وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ ياموسى ﴾ قال مجيباً لربه ﴿ هُمْ أولااء على أَثَرِي ﴾ أي : بالقرب منِّي يأتون من بعدي ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لترضى ﴾ لتزداد رِضًى.
قوله :﴿ هُمْ أولااء على أَثَرِي ﴾ كقوله :﴿ ثُمَّ أَنْتُمْ هؤلاء تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٨٥ ] و ﴿ على أَثَرِي ﴾ يجوز أن يكون خبراً ثانياً، وأن يكون حالاً وقرأ الجمهور :« أولاَءِ » بهمزة مكسورة.
والحسن وابنُ معاذ بياء مكسورة، وإبدال الهمزة ياءً ( تخفيفاً ).
وابن وثاب « أُولى » بالقصر دون همزة.
وقرأت طائفة « أولاَيَ » بياء مفتوحة، وهي قريبة من الغلط والجمهور « عَلَى أثَرِي » بفتح الهمزة والثاء.
وأبو عمرة في رواية عبد الوارث، وزيد بن علي « إثْرِي » بكسر الهمزة وسكون الثاء وعيسى بضمها وسكون الثاء، وحكاها الكسائي ( لغة ).
قوله :﴿ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ ﴾ أي : ابتلينا الذين خَلَّفَتَهُم مع هارون، وكانوا ستمائة ألف، فَأُفْتِنُوا بالعجل غير اثني عشر ألفاً من بعدك انطلاقك إلى الجبل.

فصل


قالت المعتزلة : لا يجوز أن يكون المرادُ أنَّ الله -تعالى- خلقَ فيهم الكفر لوجهين :
الأول : الدلائل العقلية ( الدالة على ) أنه لا يجوز من الله -تعالى- أن يفعل ذلك.
والثاني : أنَّه قال :« وَأَضَلَّهُمُ السَّامِريّ ».
وأيضاً : فلأن موسى لمَّا طالبَهُم بذكر سبب الفتنة، فقال :﴿ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العهد أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [ طه : ٨٦ ] فلو حصل ذلك بخلق الله لكان لهم أن يقولوا السبب فيه أن الله خلقه فِينَا لا ما ذكرت، فكان يبطل كلام موسى -عليه السلام-. وأيضاً فقوله :﴿ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [ طه : ٨٦ ] ولو كان ذلك بخلقه لاستحال أن يغضبَ عليهم فيما هو الخالق له، ولما بطل ذلك وجب أن يكون لقوله :« فَتَنَّا » معنًى آخر، وذلك لأن الفتنة قد تكون بمعنى الامتحان، يقال : فَتَنْتُ الذَّهَبَ بالنار إذا امتحنته بالنار فتميز الجيد من الرديء، فهاهنا شدَّد الله التكليف عليهم، لأن السَّامِرِيَّ، لما أخرج لهم العجل صاروا مكلفين بأن يستدلوا بحدوث جملة العالم والأجسام على أنَّ له إلهاً بجسم وحينئذ يعرفون أن العجل لا يصلح للإلهية فكان هذا التعبد تشديداً في التكليف، ( والتشديد في التكليف ) موجود.
قال تعالى :﴿ أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ ﴾


الصفحة التالية
Icon