﴿ المال والبنون زِينَةُ الحياة الدنيا ﴾ [ الكهف : ٤٦ ].
قوله :﴿ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ ﴾. وقرأ ابنُ كثير وأبو عمرو « تُخْلِفَهُ » بكسر اللام على البناء للفاعل، أي تجيء إليه ولن تغيب عنه. والباقون بفتحها على البناء للمفعول وقرأ أبُو نُهَيْك فيما حكاه عنه ( ابن خالويه ) بفتح التاء من فوق وضم اللام، وحكى عنه صاحب اللوامح كذلك إلا أنه بالياء من تحت، وابن مسعود والحسن بضم نون العظمة وكسر اللام فأما القراءة الأولى فمعناها : لن تَجِدَهُ مخلفاً كقولك : أحْمَدته وأحببته أي وجدته محموداً وحبَّاباً. وقيل المعنى : سيصل إليك ولن تستطيع الروغان ولا الحيدة عنه، قال الزمخشري : وهذا من أخلفت الموعد إذا وجدته مخلفاً. قال الأعشى :
٣٦٨٨- أثْوَى وَقصَّر لَيْلَهُ لِيُزَوَّدَا... فَمَضَى وَأَخْلَفَ مِنْ قُتَيْلَةَ مَوْعِدَا
ومعنى الثانية لَنْ يَخْلِفَ الله موعده الَّذِي وَعَدَك. وفتحُ اللام اختيار أبي عبيد، كأنَّه قال موعداً حقاً لا خُلْفَ فيه، ولن يُخلِفَ الله، والمعنى أن الله يكافئك على فعلك ولا تفر منه. وأما قراءتا أبي نُهَيْك فهما من خلفهُ يخلفُهُ إذا جاء بعده أي الموعد الذي لك لا يدفع قولَك الذي تقوله، وهي مشكلة، قال أبو حاتم : لا نعرف لقراءة أبي نُهَيْك مذهباً. وأما قراءة ابن مسعود فأسند الفعل فيها إلى الله تعالى، والمفعول الأول محذوف، أي لن ( يخلفكه ).
قوله :« ظَلْتَ » العامَّة على فتح الظاء وبعدها لام ساكنة. وابن مسعود وقتادة والأعشى بخلاف عنه وأبو حَيْوَة وابن أبي عبلة ويحيى بن يعمر كسر الظَّاء، وروي عن ابن يَعْمَر ضمها أيضاً. وأبيّ والأعمش في الرواية الأخرى « ظَلِلْتَ » بلامين أولهما مكسورة فأمَّا قراءة العامة ففيها حذف أحد المِثلين وإبقاء الظاء على حالها من حركتها، وإنما حذف تخفيفاً، وعده سيبويه في الشاذ، يعني شذوذ قياس لا شذوذ استعمال، وعدَّ معه ألفاظاً أُخَر نحو مَسْتُ وَأَحَسْتُ. كقوله :
٣٦٨٩- أَحَسْنَ بِهِ ( فَهُنَّ إِلَيْكَ شُوسُ )... وعد ( ابن الأنباري ) هَمْتُ في هَمَمْتُ، ولا يكون هذا الحذف منقاس في كل مضاعف العين واللام سكنت لمه وذلك في لغة سليم.
قال شهاب الدين : والذي أقوله إنه متى التقى التضعيف المذكور والكسرة نحو ظَلِلْتُ ومَسِسْتُ انقاس الحذف. وهل يجري الضم مجرى الكسر في ذلك؟ فالظاهر أنه يجري بل بطريق الأولى، لأن الضم أثقل من الكسر نحو غُصْنَ يا نسوة أي اغضُضْنَ أبصاركنّ ذكره ابن مالك.
وأما الفتح فالحذف فيه ضعيف نحو قَرْن في المنزل، ومنه أحد توجيهي قراءة « وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ » كما سيلأتي إن شاء الله تعالى. وأما الكسر فوجهه أنه نقل كسرة اللام إلى الفاء بعد سلبها حركتها ليدل عليها.
وأما الضمُّ فيحتمل أن يكون جاء في لغة على فَعَل يَفْعَلُ بقتح العين في الماضي وضمها في المضارع ثم نقلت كما تقدم ذلك في الكسر.


الصفحة التالية
Icon