وأما « ظَلِلْتُ » بلامين فهذه هي الأصل، وهي منبهة على غيرها. و « عَاكِفاً » خبر « ظَلَّ؟.
قوله :»
لَنُحَرِّقَنَّهُ « جواب قسم محذوف، أي : والله لنحرُقَنَّهُ، والعامة على ضم النون وكسر الراء مشددو من حرَّقَهُ يحرَّقه بالتشديد. وفيها تأويلان :
أحدهما : أنها من حرقه بالنار.
والثاني : أنه من حرق ناب البعير إذا وقع عضُّ أنيابه على بعض، والصوت المسموع منه يقال له الصَّريف، والمعنى لَنَبْرُدُنَّه بالمِبْرَدِ بَرداً يسحقه به كما يفعل البعير بأنيابه بعضها على بعض. وقرأ الحسنُ وقتادة وأبو جعفر »
لَنَحْرُقَنَّهُ « بضم النون وسكون الحاء وكسر الراء من أحرق رباعياً. وقرأ ابن عباس وحميد وعيسى وأبو جعفر » لَنُحْرِقَنَّهُ « كذلك إلا أنه بضم الراء، فيجوز أن يكون من حرَّقَ وأحْرَقَ بمعنى كأنزل ونزَّل. وأما القراءة الأخيرة فبمعنى لَنَبرُدَنَّهُ بالمِبْرَدِ.
قوله :»
لَنَنْسِفَنَّهُ « العامة على فتح النون الأولى وسكون الثانية وكسر السين خفيفة. وقرأ عيسى بضم ( السين ). وقرأ ابن مقسّم بضم النون الولى وفتح الثانية وكسر السين مشدّدة. والنَّسف التفرقة والتذرية، وقيل : قَلْع الشيء من أصله، يقال : نَسَفَهُ ينسِفُه بكسر السين وضمها في المضارع، وعليه القراءتان والتشديد للتكثير.

فصل


معنى إحراقه على قراءة التشديد قال السُّدِّي : أمر موسى بذبح العجل فذبح وسال منه الدم، ثم أُحرق ونُسِفَ رماده. وهذا يدل على أنه صار لحماً ودماً، لأن الذهب لا يمكن إحراقه بالنار. وفي حرف ابن مسعود :»
لَنَذْبَحَنَّهُ ولَنَحْرِقنَّهُ «. وعلى قراءة التخفيف أي لَنَبْرُدَنَّه بالمِبْرَد، وهذه القراءة تدل على أنه لم ينقلب لحماً ودماً، فإن ذلك لا يُبْرَدُ بالمِبْرَدِ، ومنه قيل للمبرد : المحرق.
وقال السَّدي : أخذ موسى العجل، ثم ذبحه ثم حرقه، ثم بُرِدت عظامه بالمِبرد، ثم ذرَّاهُ في اليَمِّ. ثم لما فرغ من إبطال ما ذهب إليه السامريُّ عاد إلى بيان الدين الحق فقال :»
إنَّما إلهُكُمْ « أي المستحق للعبادة ﴿ الله الذي لاا إله إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ قال مقاتل : يعلم من يعبده ( ومن لا يعبده ) قوله :﴿ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ العامة على كسر السين خفيفة و » عِلْماً « على هذه القراءة تمييز منقول من الفاعل، إذ الأصل وسع كُلَّ شيءٍ علمُهُ. وقرأ مجاهد وقتادة بفتح السين مشددة. وفي انتصاب » عِلماً « أوجه :
أحدها : أنه مفعول به، قال الزمخشري : ووجهه أن »
وَسع « متعد إلى مفعول واحد ( وهو كُلُّ شيءٍ ) وأما » عِلماً « فانتصابه على التمييز فاعلاً في المعنى، فلما ثقل نقل إلى التعدية إلى مفعولين فنصبهما معاً على المفعولية، لأن المميز فاعل في المعنى كما تقول في خاف زيدٌ عمراً. خَوَّفْتُ زيداً عمراً : فترُدُّ بالنقل ما كان فاعلاً مفعولاً. وقال أبو البقاء : والمعنى : أَعْطَى كُلَّ شَيءٍ علماً فضمنه معنى ( أَعْطَى ). وما قاله الزمخشري أولى.
والوجه الثاني : أنه تميز أيضاً كما هو في قراءة التخفيف، قال أبو البقاء وفيه وجه آخر، وهو ان يكون بمعنى عظَّم خلقَ كُلِّ شيءٍ كالأرض والسماء، وهو بمعنى بسط فيكون »
عِلْماً « تمييزاً وقال ابن عطية : وسع خَلْقَ الأشياءِ وكثرها بالاختراع.


الصفحة التالية
Icon