قوله تعالى :« كَذَلِكَ نَقُصُّ » الكاف إما نعت لمصدر محذوف، أو حال من ضمير ذلك المصدر المقدر، والتقدير : كقصّنا هذا النبأ الغريب نقص، و « مِن أنْبَاءِ » صفة لمحذوف هو مفعول « نَقُصُّ » أي : نقص نبأ من أنباء.
فصل
لمَّا ذكر قصة موسى - عليه السلام - مع فرعون ثم مع السامري قال :﴿ كذلك نَقُصُّ عَلَيْكَ ﴾ من أخبار سائر الأمم وأحوالهم تكثيراً لشأنك وزيادةً في معجزاتك ﴿ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً ﴾ يعني القرآن ( لقوله تعالى ) :﴿ وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ﴾ [ الأنبياء : ٥٠ ] ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ ﴾ [ الزخرف : ٤٤ ] ﴿ والقرآن ذِي الذكر ﴾ [ ص : ١ ] ﴿ ياأيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر ﴾ [ الحجر : ٤ ]. وفي تسمية القرآن بالذكر وجوه :
أحدها : أنه كتاب فيه ذكرُ ما يحتاج إليه الناس من أمور دينهم ودنياهم.
وثانيها : أنه يذكر أنواع آلاء الله ونعمائه، وفيه التذكير والموعظة.
وثالثها : فيه الذكر والشرف لك ولقومك كما قال :﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ [ الزخرف : ٤٤ ] وسمى الله تعالى كل كتاب أنزله ذكراً فقال تعالى :﴿ فاسألوا أَهْلَ الذكر ﴾ [ النحل : ٤٣، الأنبياء : ٧ ] وكما بيَّن نعمته بذلك بيَّنَ وعيده لمن أعرض عنه فقال :﴿ مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ القيامة وِزْراً ﴾ أي : من أعرض عن القرآن ولم يؤمن به ولم يعمل بما فيه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً، والوزرُ هو العقوبة الثقيلة، سماها وزراً لثقلها على المعاقب تشبيهاً بالحمل الثقيل. وقيل : حِمْلاً ثقيلاً من الإثم. قوله :« مَنْ أَعَرَضَ » يجوز أن تكون « مَنْ » شرطية أو موصولة، والجملة الشرطية أو الخبرية الشبيهة بها في محل نصب صفة ل « ذِكْراً ». قوله :« خَالِدينَ فِيهِ » حال من فاعل « يَحْمِلُ ». فإن قيل : كيف يكون الجمع حالاً من مفرد؟
فالجواب : أنه حمل على لفظ « مَنْ » فأفرد الضمير في قوله :« أَعْرَضَ » و « فَإِنَّهُ » و « يَحْمِلُ »، وعلى معناها فجمع في « خَالِدِينَ » و « لَهُمْ »، والمعنى مقيمين في عذاب الوزر. والضمير في « فِيهِ » يعود ل « وِزْراً »، والمراد فيه العقاب المتسبب عن الوزر، وهو الذَّنب، فأقيم السبب مقام المسبب. وقرأ داود ( بن رفيع ) « ويُحَمَّل » مضعفاً مبنيَّا للمفعول، والقائم مقام فاعله ضمير « مَنْ » و « وِزْراً » مفعول ثان. قوله :« وَسَاءَ » هذه ساء التي بمعنى بِئْس وفاعلها مستتر فيها يعود إلى « حِمْلاً » المنصوب على التمييز، لأن هذا الباب يفسر الضمير فيه بما بعده، والتقدير : وَسَاءَ الحِمْلُ حِمْلاً، ( والمخصوص بالذم محذوف تقديره : وَسَاء الحِمْلُ حِمْلاً وِزْرَهُمْ ). ولا يجوز أن يكون الفاعل لبئس ضمير الوِزْر، لأن شرط الضمير في هذا الباب أن يعود على نفس التمييز.