فإن قلتَ : ما أنكرت أن يكون في « سَاءَ » ضمير الوزر. قلت : لا يصح أن يكون في « سَاءَ » وحكمه حكم بئس ضمير شيءٍ بعينه غير مبهم. ولا جائز أن يكون « سَاءَ » هنا بمعنى « أَهَمَّ وأحزَنَ ) فتكون متصرفة كسائر الأفعال.
قال الزمخشري : كفاك صادَّا عنه أن يَؤُول كلامُ الله تعالى إلى قولك وأحْزَنَ الوِزْرَ لَهُمْ يومَ القيامة حِمْلاً، وذلك بعد أن تخرج عن عُهْدِة هذه اللام وعهدة هذا المنصوب. انتهى. واللام في »
لَهُمْ « متعلقة بمحذوف على سبيل البيان كهي في » هَيْتَ لَك « والمعنى بئس ما حملوا على أنفسهم من الإثم كفراً بالقرآن. قوله :» يَوْمَ يُنْفَخُ « » يَوْمَ « بدل من » يَوْمَ القِيَامَةِ «، أو بيان له أو منصوب بإضمار فعل، أو خبر مبتدأ مضمر، وبُنِيَ على الفتح على رأي الكوفيين كقراءة » هَذَا يَوْمُ يَنْفَع « وقد تقدَّم. وقرأ أبو عمرو » نَنْفُخُ « مبنيّاً للفاعل بنون العظمة كقوله :» وَنَحْشُر « أسند الفعل إلى الأمر به تعظيماً للمأمور، وهو إسرافيل. والباقُونَ مضمومة مفتوح الفاء على البناء للمفعول، والقائم مقام الفاعل الجار والمجرور بعده. والعامة على إسكان الواو » في الصًّورِ «.
وقرأ الحسن وابن عامر بفتحها جمع صورة كغُرَف جمع غُرْفَة، وقد تقدم القول في الصُّور في الأنعام ( وقرئ :»
يَنْفُخَ، وَيَحْشُرُ « بالياء مفتوحة مبنياً للفاعل، وهو الله تعالى أو المَلَك ). وقرأ الحسن وحميد » يُنْفَخُ « كالجمهور، » ويَحْشُرُ « بالياء مفتوحة مبنياً للفاعل، والفاعل كما تقدم ضمير الباري أو ضمير الملك. وروي عن الحسن أيضاً » ويُحْشَرُ « مبنينَّا للمفعول » المُجْرِمُونَ « رفع به و » زُرْقاً « حال من المجرمين، والمراد زرقةُ العُيون، وجاءت الحال هنا بصفة تشبه اللازمة، لأن أصلها على عدم اللزوم، ولو قلتَ في الكلام : جاءَنِي زيدٌ أزرق العينين لم يجز إلا بتأويل.

فصل


قيل : الصور قرن ينفخ فيه بدعائه الناس للحشر. وقيل : إنه جمع صورة، والنَّفخُ نفخ الرُّوح فيه، ويدل عليه قراءة من قرأ »
الصٌّوَر « بفتح الواو.
والأول أولى لقوله تعالى :﴿ فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور ﴾ [ المدثر : ٨ ] والله تعالى يعرف الناس أمور الآخرة بأمثال ما شُوهِدَ في الدنيا، ومن عادة الناس النفخُ في البوق عند الأسفار وفي العساكر. والمراد من هذا النفخ هو النفخة الثانية لقوله بعد ذلك :﴿ وَنَحْشُرُ المجرمين يَوْمِئِذٍ زُرْقاً ﴾ فالنفخ في الصور كالسبب لحشرهم، فهو كقوله :﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ﴾ [ النبأ : ١٨ ]. والزرقة هي الحضرة في سواد العين، فيُحْشَرُون زرق العيون سود الوجوه. فإن قيل : أليس أنَّ الله تعالى أخبر يُحْشَرُونَ عُمْياً فكيف يكون أعمى وأزرق؟
فالجواب لعله يكون أعمى في حال : وأزرق في حال.


الصفحة التالية
Icon