وأن تكون بمعنى الإصابة فتتعدى لواحد، وهو « عَزْمًا » ( و « لَهُ » ) متعلق بالوجدان، أو بمحذوف على أنه حال من « عَزْمًا » إذ هم في الأصل صفة له قدمت عليه.
والعازم : هو المصمم، فقوله :﴿ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾ يحتمل : ولم نجد له عزماً على ترك المعصية، أو على التحفظ والاحتراز عن الغفلة، أو على الاحتياط في كيفية الاجتهاد إذا قلنا : إنه -عليه السلام- إنما أخطأ بالاجتهاد.
وقال الحسن : ولم نجدْ له صبراً عما نُهي عنه.
وقال عطية : حفظاً لما أمر به. وقال ابن قتيبة : رأياً معزوماً.
حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده وأبى أن يسجد لهز والعزم في اللغة : هو توطين النفس على الفعل.
قال أبو أمامة الباهليّ : لو وُزِنَ حلمُ آدم بحلم ولده لرجح عليه وقد قال الله تعالى ﴿ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً ﴾. فإن قيل : أتقولون إن آدم كان ناسياً لأمر الله حين أكل من الشجرة. قيل : يجوز أن يكون نَسِي أمره، ولم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعاً عن الإنسان بل كان مؤاخذاً به، وإنما رفع عنا.
وقيل : نَسِيَ عقوبة الله، وظن أنَّه نَهي تنزيه. قوله تعالى :﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسجدوا لآدَمَ ﴾ تقدَّم الكلام على ذلك مفصَّلاً في سورة البقرة.
وقوله :« أَبَى » جملة مستأنفة، لأنها جواب سؤال مقدر، أي : ما منعه من السجود؟ فأجيب بأنه أبَى واستكبر.
ومفعول الإباء يجوز أن يكون مراداً، وقد صرَّح به في الآية الأخرى في قوله :﴿ أبى أَن يَكُونَ مَعَ الساجدين ﴾ [ الحجر : ٣١ ] وحسن حذفه هنا كون العامل رأس فاصلة. ويجوز أن لا يراد ألبتة، وأن المعنى : أنه من أهل الإباء والعصيان من غير نظر إلى متعلق الإباء ما هو.
قوله :﴿ فَقُلْنَا ياآدم إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ ﴾ وسبب تلك العداوة من وجوه :
الأول : أن إبليس كان حسوداً، فلمَّا رأة آثار نِعَم الله تعالى في حق آدم حسده فصار عدواً له. الثاني : أن آدم -عليه السلام- كان شاباً عالماً لقوله تعالى ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمآء كُلَّهَا ﴾ [ البقرة : ٣١ ]، وإبليس كان شيخاً جاهلاً، لأنه أثبت فضيلته بفضيلة أصله، وذلك جهل والشيخ أبداً يكون عدواً للشَّاب العالم.
الثالث : أن إبليس مخلوق من النار وآدم من الماء والتراب، فبين أصليهما عداوة، فبقيت تلك العداوة.
فإن قيل : لم قال :﴿ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة ﴾ مع أن المخرج لهم من الجنة هو الله تعالى؟
فالجواب لما كان بوسوسته هوة الذي فعل ما ترتب عليه الخروج صح ذلك. قوله :« فَتَشْقَى » منصوب بإضمار ( أنْ ) في جواب النهي، والنهي في الصورة لإبليس والمراد به هما، أي لا تَتَعَاطَيَا أسباب الخروج ( فيحصل لكما الشقاء )، وهو الكد والتعب الدنيوي خاصة.