﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب وَلَن يُخْلِفَ الله وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴾ [ الحج : ٤٧ ].
الثاني : أنَّ كُلَّ آتٍ وإن طالت أوقات ترقبه، وإنما البعيد هو الذي انقرض قال الشاعر :
٣٧٠٣- فَمَا زَالَ مَا تَهْوَاهُ أَقْرَبَ مِنْ غَدٍ | وَلاَ زَالَ ما تَخْشَاهُ أبعدُ مِنْ أمسِ |
قال ابن عبس : المراد بالناس المشركون. وهذا من إطلاق اسم الجنس على بعضه للدليل القائم، وهو ما يتلوه من صفات المشركين.
وقوله :﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ وصفهم بالغفلة والإعراض، واما الغفلة فالمعنى : أنهم غافلون عن حسابهم ساهون لا يتفكرون في عاقبتهم مع اقتضاء عقولهم أنه لا بُدَّ من جزاء المحسن والمسيء، ثم إذا انتبهوا من سِنَة الغفلة، ورقدة الجهالة مما يتلى عليهم من الآيات أعرضوا وسدوا أسماعهم.
قوله :﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ ﴾ ذكر الله -تعالى- ذلك بياناً لكونهم معرضين، وذلك لأنَّ الله -يجدد لهم الذكر كل وقت، ويظهر لهم الآية بعد الآية، والسورة بعد السورة ليكرر على أسماعهم الموعظة لعلهم يتعظون، فما يزيدهم ذلك إلا استسخاراً.
قوله :« مُحْدِثٍ » العامة على جر « مُحْدِثٍ » نعتاً ل « ذِكْرٍ » على اللفظ.
وقوله :« مِنْ رَبِّهِمْ » فيه أوجه :
أجودها : انْ يتعلق ب « يَأتِيهِمْ »، وتكون « مِنْ » لابتداء الغاية مجازاً.
والثاني : أنْ يتعلق بمحذوف على أنه حال من الضمير المستتر في « مُحْدِثٍ ».
الثالث : أنْ يكونَ حالاً من نفس « ذِكْرٍ »، وإنْ كان نكرة، لأنه قد تخصّص بالوصف ب « مُحْدَثٍ »، وهو نظير : ما جاءني رجلٌ قائماً منطلقٌ، ففصل بالحال بين الصفة والموصوف. وأيضاً فإنّ الكلام نفي وهو مسوغ لمجيء الحال من النكرة.
الرابع : أن يكون نعتاً ل « ذِكْرٍ » فيجوز في محله وجهان : الجر باعتبار اللفظ والرفع باعتبار المحل، لأنه مرفوع المحل إذ « مَن » مزيده فيه، وسيأتي.