قوله تعالى :﴿ أَمِ اتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ﴾ استعظام لكفرهم، وهو استفهام إنكار وتوبيخ. ﴿ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ ﴾ إما من جهة العقل وإما من جهة النقل، واعلم أنه تعالى لما ذكر دليل التوحيد أولاً، وقرر الأصل، الذي عليه تخرج شبهات القائلين بالتثنية أخذ يطالبهم بدليل شبهتهم. قوله :﴿ هذا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ ﴾ العامة على إضافة « ذِكْرُ » إلى « مَنْ » أضاف المصدر إلى مفعوله كقوله تعالى « بِسُؤَالِ نَعْجَتِك ». وقرئ « ذِكْرٌ » بالتنوين فيهما و « مَنْ » مفتوحة الميم. نوّن المصدر ونصب به المفعول ( كقوله تعالى ) ﴿ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ﴾ [ البلد : ١٤، ١٥ ]. وقرأ يحيى بن يعمر « ذِكْرٌ » بتنوينهما و « مِنْ » بكسر الميم، وفيه تأويلان :
أحدهما : أن ثم موصوفاً محذوفاً قامت صفته وهي الظرف مقامه، والتقدير : هذا ذكر من كتاب معي ومن كتاب قبلي.
والثاني : أن « مَعِيَ » بمعنى عندي. ودخول « من » على « مع » في الجملة نادر، لأنها ظرف لا يتصرف.
وقد ضعف أبو حاتم هذه القراءة، ولم ير لدخول « من » على « مع » وجهاً.
ووجهه بعضهم بأنه اسم هو ظرف نحو ( قبل وبعد ) فكما تدخل ( من ) على أخواته كذلك تدخل عليه. وقرأ طلحة :« ذِكْرٌ مَعِي وذِكْرٌ قَبْلِي » بتنوينهما دون ( من ) فيهما. وقرأ طائفة « ذِكْرُ مَنْ » بالإضافة ل « من » كالعامة ﴿ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ﴾ بتنوينه وكسر ميم « من » ووجهها واضح مما تقدم.

فصل


قال ابن عباس « هذا ذكر من معي » أي : هو الكتاب المنزل على من معي، « وهذا ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي » أي : الكتاب الذي نزل على من تقدمني من الأنبياء وهذه التوراة والإنجيل والزبور والصحف. وليس في شيء منها أني أذنت بأن تتخذوا إلهاً من دوني بل ليس فيها إلا أنني أنا الله لا إله إلا أنا كما قال بعد هذا :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نوحي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاا إله إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون ﴾. وهذا اختيار القفال والزجاجا.
وقال سعيد بن جبير وقتادة ومقاتل والسدي : معناه : القرآن ذكر من معي فيه خبر من معي على ديني، ومن يتبعني إلى يوم القيامة بما لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية، وذكر خبر من قبلي من الأمم السالفة ما فعل بهم في الدنيا وما يفعل بهم في الآخرة. وقال القفال : المعنى : قل لهم : هذا الكتاب الذي جئتكم به قد اشتمل على أحوال لمن معي من المخالفين والموافقين، فاختاروا لأنفسكم، فكأن الغرض منه التهديد.


الصفحة التالية
Icon