« وروي عن رسول الله - ﷺ - » أنه رأى جبريل - عليه السلام- ليلة المعراج ساقطاً كالحلس من خشية الله «.
قوله :﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إني إله مِّن دُونِهِ ﴾.
قال قتادة : عنى إبليس حيث دعا إلى عبادة نفسه وأمر بطاعة نفسه فإن أحداً من الملائكة لم يقل إني إلهٌ من دون الله.
والآية لا تدل على أنهم قالوا ذلك أو ما قالوه، وهذا قريب من قوله :﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [ الزمر : ٦٥ ] قوله :» فذلك نجزيه « يجوز في » ذلك « وجهان :
أحدهما : أنه مرفوع بالابتداء، وهذا وجه حسن.
والثاني : أنه منصوب بفعل مقدر يفسره هذا الظاهر، والمسألة من باب الاشتغال، وفي هذا الوجه إضمار عامل مع الاستغناء عنه، فهو مرجوح.
والفاء وما في حيزها في موضع جزم جواباً للشرط.
و » كذلك « نعت لمصدر محذوف، أو حال من ضمير المصدر أي جزاء مثل ذلك الجزاء، أو نجزي الجزاء حال كونه مثل ذلك.
وقرأ العامة » نَجْزِيه « بفتح النون، وأبو عبد الرحمن المقرئ بضمها، ووجهها أنه من أجزأ بالهمز من أجزائي كذا، أي : كفاني، ثم خففت الهمزة فانقلبت إلى الياء.
فصل
احتجت المعتزلة بقوله :﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ على أن الشفاعة في الآخرة لا تكون لأهل الكبائر، لأنه لا يقال في أهل الكبائر : إن الله يرتضيهم.
والجواب : قول ابن عباس والضحاك : أن معنى ﴿ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى ﴾ أي لمن قال : لا إله إلا اله. وهذه الآية من أقوى الدلائل في إثبات الشفاعة لأهل الكبائر، وهو أن من قال لا إله إلا اله فقد ارتضاه الله في ذلك، ومتى صدق عليه أنه ارتضاه الله في ذلك ( فقد صدق عليه أنه ارتضاه الله ) وإذا ثبت الله سبحانه قد ارتضاه وجب اندراجه تحت هذه الآية، فثبت بما ذكرنا أن هذه الآية من أقوى الدلائل لنا على ما قرره ابن عباس.
فصل
دلَّت الآية على أن الملائكة مكلفون لقوله :﴿ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾، وعلى أن الملائكة معصومون. قوله :﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي الظالمين ﴾ قال القاضي عبد الجبار : هذا يدل على أن كل ظالم يجزيه الله جهنم، كما توعد الملائكة به، وذلك يوجب القطع بأنه تعالى لا يغفر الكبائر في الآخرة. وأجيب بأن أقصى ما فيه أن هذا العموم مشعر بالوعيد، وهو معارض بعمومات الوعد.
والمراد ب » الظَّالِمينَ « الواضعين الإلهية والعبادة في غير موضعها.