الثاني : قال أبو البقاء : الضمير يعود على الجنسين.
الثالث : قال الحوفي :« كَانَتَا رَتْقَاً »، و « السَّمواتِ » جمع، لأنه أراد الصنفين. قال الأسود بن يعفر :
٣٧٠٩- إِنَّ المَنِيَّةَ وَالخَوْفَ كِلاَهُمَا | يُوفِي المخَارِمَ يَرْقُبَان سَوَادِي |
٣٧١٠- أَلَمْ يَحْزُنْكَ أن حِبَالَ قَيْسٍ | وتَغْلِبَ قَدْ تَبَايَنَتَا انْقِطَاعَاً |
أحدهما : أنه مصدر أيضاً، ففيه الوجاهن المتقدمان في الساكن التاء.
والثاني : أنه فعل بمعنى مفعول كالقَبض والنَّفَض بمعنى المقبوض والمنقوض، وعلى هذا فكان ينبغي أن يطابق مخبره في التثنية. وأجاب الزمخشري عن ذلك فقال : هو تقدير موصوف، أي : كانتا شيئاً رتقاً.
وقال المفضل : لم يقل : كانتا رتقين كقوله :﴿ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لاَّ يَأْكُلُونَ الطعام ﴾ [ الأنبياء : ٨ ] وحدّ « جسداً » كذلك ما نحن فيه كل واحد رتق.
ورجح بعضهم المصدرية بعدم المطابقة في التثنية، وقد عرف جوابه وله أن يقول : الأصل عدم حذف الموصوف، فلا يصار إليه دون ضرورة والرتق : الانضمام، ارتتق حلفه أي : انضم، وامرأة رتقاء أي : منسدة الفرج فلم يمكن جماعها من ذلك. والفتق : فصل ذلك المرتتق. وهو من أحسن البديع هنا حيث قابل الرتق بالفتق.
فصل
قال ابن عبَّاس في رواية عكرمة والحسن وقتادة وسعيد بن جبير : كانتا شيءاً واحداً ملتزمين ففصل الله بينهما، ورفع السماء إلى حيث هي وأقر الأرض. وهذا القول يوجب أن خلق الأرض مقدم على خلق السماء، لأنه تعالى لما فصل بينهما جعل الأرض حيث هي، وأصعد الأجزاء السماوية. قال كعب : خلق الله السموات والأرض ملتصقتين، ثم خلق ريحاً توسطتهما ففتقتهما. وقال مجاهد والسدي : كانت السموات مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبه سموات، وكذلك الأرض مرتتقة طبقة واحدة ففتقها فجعلها سبع أرضين. وقال ابن عباس في رواية عطاء وأكثر المفسرين : إن السموات كانت رتقاً مستوية صلبة لا تمطر، والأرض رتقاً لا تنبت، ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات، ونظيره قوله تعالى :﴿ والسمآء ذَاتِ الرجع والأرض ذَاتِ الصدع ﴾ [ الطارق : ١١، ١٢ ] ورجحوا ذلك الوجه بقوله بعد ذلك :﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾، وذلك لا يليق إلا وللماء تعلق بما تقدم، وهو ما ذكرنا فإن قيل : هذا الوجه مرجوح، لأن المطر لا ينزل من السموات بل من سماء واحدة، وهي سماء الدنيا.