فصل


قال بعض المفسرين : المراد بقوله :﴿ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ الحيوان فقط. وقال آخرون : بل يدخل فيه النبات، لأنه من الماء صار نامياً، وصار فيه الرطوبة والخضرة والنور والثمر. وهذا القول أليق بالمقصود، لأن المعنى كأنه قال : ففتقنا السماء لإنزال المطر وجعلنا منه كل شيء في الأرض من النبات وغيره حياً. فإن قيل : النبات لا يسمى حياً. فالجواب : لا نسلم، ويدل عليه قوله تعالى ﴿ كَيْفَ يُحْيِيِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَآ ﴾ [ الروم : ٥٠ ]. ثم قال ﴿ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ والمعنى أفلا يؤمنون بأن يتدبروا هذه الأدلة فيعملوا بها ويتركوا طريقة الشرك.
قوله :﴿ وَجَعَلْنَا فِي الأرض رَوَاسِيَ ﴾ الرواسي الجبال، والراسي : هو الداخل في الأرض. قوله :« أنْ تَمِيدَ » مفعول من أجله، أي : أن لا تميد، فحذفت « لا » لفهم المعنى كما زيدت في ﴿ لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب ﴾ [ الحديد : ٢٩ ]، أو كراهة أن تميد وقدره أبو البقاء فقال : مخافة أن تميد وفيه نظر، لأنا إن جعلنا المخافة مسندة إلى المخاطبين اختل شرط من شروط النصب في المفعول وهو اتحاد الفاعل. وإن جعلناها مسندة لفاعل الجعل استحال ذلك، لأنه تعالى لا يسند إليه الخوف. وقد يقال يختار أن يسند المخافة إلى المخاطبين، وقولكم يختل شرط من شروط النصب جوابه : أنه ليس بمنصوب بل مجرور بحرف الجر المقدر، وحذف حرف الجر مطرد مع أنَّ وأَنْ بشرطه.

فصل


قال ابن عباس : إن الأرض بسطت على الماء فكانت تكفأ بأهلها السفينة فأرساها الله بالجبال الثقال. قوله :﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه ( مفعول به ) و « سُبُلاً » بدل منه.
والثاني : أنه منصوب على الحال من « سُبُلاً »، لأنه في الأصل صفة له فلما قدم انتصب كقوله :
٣٧١١- لِمَيَّةَ مُوحِشاً طَلَلُ يَلُوحُ كَأَنَّهُ خِلَلُ
ويدل على ذلك مجيئه صفة في قوله تعالى ﴿ لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً ﴾ [ نوح : ٢٠ ].
وقال الزمخشري : فإن قلت : في الفجاج معنى الوصف فما لها قدمت على السبل ولم تؤخر كقوله تعالى :﴿ لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً ﴾ [ نوح : ٢٠ ]، قلت : لم تقدم وهي صفة، ولكن جعلت حالاً كقوله :
٣٧١٢- لعزَّةَ مُوحِشاً طَلَلُ قَدِيمُ... فإن قلت : ما الفرق بينهما من جهة المعنى؟ قُلْتُ : أحدهما : إعلام بأنه جعل فيها طرقاً واسعة، والثاني : أنه حين خلقها على تلك الصفة فهو بيان لما أبهم ثمة. قال أبو حيان : يعني بالإبهام أن الوصف لا يلزم أن يكون الموصوف متصفاً به حالة الإخبار عنه، وإن كان الأكثر قيامه به حالة الإخبار عنه، ألا ترى أنه يقال : مررت بوحشيّ القاتل حمزة، وحالة المرور لم يمن قائماً به قتل حمزة. والفَجُّ الطَّرِيقُ الوَاسِعُ، والجمع الفِجَاج. والضمير في « فيها » يجوز أن يعود على الأرض وهو الظاهر كقوله


الصفحة التالية
Icon