﴿ والله جَعَلَ لَكُمُ الأرض بِسَاطاً لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً ﴾ [ نوح : ١٩، ٢٠ ]. وأن يعود على الرواسي، يعني أنه جعل في الجبال طرقاً واسعة وهو قول مقاتل والضحاك ورواية عطاء عن ابن عباس وعن ابن عمر قال : كانت الجبال منضمة فلما أغرق الله قوم نوح فرّقها فجاجاً وجعل فيها طرقاً. وقوله ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ أي لكي يهتدوا إذ الشك لا يجوز على الله. والمعنى : ليهتدوا إلى البلاد. وقيل : ليهتدوا إلى وحدانية الله بالاستدلال قالت المعتزلة : وهذا يدل على أنه تعالى أراد من جميع المكلفين الاهتداء وقد تقدم.
وقيل : الاهتداء إلى البلاد والاهتداء إلى وحدانية الله تعالى يشتركان في أصل الاهتداء، فيحمل اللفظ على ذلك المشترك مستعملاً في مفهوميه معاً. قوله :﴿ وَجَعَلْنَا السمآء سَقْفاً مَّحْفُوظاً ﴾ سميت سقفاً، لأنها كالسقف للبيت، ومعنى « محفوظاً » أي : محفوظاً من الوقوع كقوله :﴿ وَيُمْسِكُ السمآء أَن تَقَعَ عَلَى الأرض ﴾ [ الحج : ٦٥ ]. وقيل : محفوظاً من الشياطين.
قوله :﴿ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا ﴾ جملة استئنافية، ويضعف جعلها حالاً مقدرة. وقرأ مجاهد وحميد « عَنْ آيَتِهَا » بلفظ الإفراد.
دعا الخلق آية وهي مشتملة على آيات، أو أطلق الواحد وأراد به الجنس والمعنى : أن الكفار معرضون عما خلق في السماء من الشمس والقمر والاستيضاء بنوريهما، والنجوم والاهتداء بها، وحياة الأرض بأمطارها، وعن كونها آية بينة على وجود الصانع ووحدانيته لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها. قوله :﴿ وَهُوَ الذي خَلَقَ الليل والنهار والشمس والقمر كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ أي : كل منهما من الشمس والقمر أو منها أي من اليل والنهار والشمس والقمر. و « يَسْبَحُون » يجوز أن يكون خبر « كُلٌّ » على المعنى، و « في فَلَكٍ » متعلق به. ويجوز أن يكون حالاً والخبر « في فَلَكٍ ». وكون المضاف إليه يجوز أن يقدر بالأربعة الأشياء المذكورة ذكره أبو البقاء ولم يذكر غيره، إلا أن المضاف إليه ( الشَّمْس والقَمَر ) وهو الظاهر، لأن السباحة من صفتهما دون ( اللَّيلِ والنَّهَارِ )، وعلى هذا فيتعذر عن الإتيان بضمير الجمع، وعن كونه جمع من يعقل، أما الأول فقيل : إنما جمع، لأن ثم معطوفاً محذوفاً تقديره : والنجوم كما دلت عليه آيات أخر، فصارت النجوم وإن لم تكن مذكورة يعود هذا الضمير إليها.
وقال الزمخشري : الضمير للشمس والقمر، والمراد بهما جنس الطوالع مل يوم وليلة جعلوها متكاثرة لتكاثر مطالعها، وهو السبب في جمعها بالشموس والأقمار. انتهى. والذي حسن ذلك كوته رأس آية. وقال أبو البقاء : و « يسبحون » على هذا الوجه حال، والخبر « في فَلَكٍ ». وقيل : التقدير : وكلها، والخبر « يَسْبَحُونَ » وأتى بضمير الجمع على معنى « كل ».
وفي هذا الكلام نظر من حيث أنه لما جوز أن يكون المضاف إليه شيئين جعل الخبر الجار و « يَسْبَحُونَ » حالاً فراراً من عدم مطابقة الخبر للمبتدأ، فوقع في تخالف الحال وصاحبها.


الصفحة التالية
Icon