وأما الثاني فلأنه لمَّا أسند إليها السباحة التي هي من أفعال العقلاء جمعها جمع العقلاء كقوله :﴿ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [ يوسف : ٤ ] و ﴿ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ﴾ [ فصلت : ١١ ].
قال الزمخشري : والتنوين في « كل » عوض عن المضاف إليه أي : كلهم. ﴿ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ وهذه الجملة يجوز أن يكون محلها النصب على الحال من « الشمس والقمر ». فإن قلنا : إن السباحة تنسب إلى الليل والنهار كما نقل عن أبي البقاء في أحد الوجهين يكون حالاً من الجميع، وإن كان لا يصح نسبتها إليهما كانت حالاً من « الشمس والقمر » وتأويل الجمع قد تقدم. قال أبو حيان : أو محلها النصب على الحال من « الشمس والقمر » لأن الليل والنهار لا يصفان بأنهما يجريان في فَلَكٍ فهو كقولك : رأيت هنداً وزيداً ( متبرجة ). انتهى. وسبقه إلى هذا الزمخشري، يعني أنه قد دل على أن الحال من بعض ما تقدم كما في المثال المذكور، قال الزمخشري : فإن قُلْتَ : لكل واحد من القمرين فَلَكٌ على حدة فكيف قال :﴿ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾. قُلْت : هذا كقولهم : كساهم الأمير حلة وقلدهم سيفاً أي : كل واحد منهم. والسباحة العوم في الماء، وثد يعبر عن مطلق الذهاب وقد تقدم اشتقاقه في « سُبْحَانَكَ ».
ومعنى « يُسَبِّحُونَ » يسيرون بسرعة كالسابح في الماء.
فصل
اعلم أن للكواكب حركتين الأولى : مجمع عليها وهي حركتها من المشرق إلى المغرب. والحركة الثانية : قالت الفلاسفة وأصحاب الهيئة : إن للكواكب حركة أخرى من المشرق إلى المغرب، قالوا : وهي ظاهرة في السبعة السيارة خفية في الثابتة، واستدلوا بأنا وجدنا الكواكب السيارة كل ما كان منها أسرع حركة إذا قارن ما هو أبطأ حركة منه تقدمه نحو المشرق. وهذا في القمر ظاهر جداً، فإنه يظهر بعد الاجتماع بيوم أو يومين من ناحية المغرب على بعد من الشمس، ثم يزداد كل ليلة بعداً منها إلى أن يقابلها وكل كوكب كان شرقياً منه على طريقه على ممر البروج يزداد كل ليلة قرباً منه، ثم إذا أدركه ستره بطرفه الشرقي، وينكشف ذلك الكوكب بطرفه الغربي. فعلمنا أن لهذه الكواكب السيارة حركة من المغرب إلى المشرق. وأجيبوا : بأن ذلك محال، لأن الشمس مثلاً إذا كانت متحركة بذاتها من المغرب إلى المشرق حركة بطيئة، وهي متحركة بسبب الحركة اليومية من المشرق إلى المغرب لزم كون الجرم الواحد متحركاً حركتين إلى جهتين مختلفتين دفعة واحدة، وذلك محال، لأن التحرك إلى جهة يقتضي حصول المتحرك في الجهة المنتقل إليها، فلو تحرك الجسم الواحد دفعة واحدة إلى جهتين لزم حصوله دفعة واحدة في مكانين، وهو محال.