قالوا : ما ذكرتموه ينتقض بما إذا دارت الرحى إلى جانب والنملة التي تكون عليها متحركة على خلاف ذلك الجانب. وللكلام في هذه المسألة مكان غير هذا.

فصل


والفَلَكُ مدار النجوم، والفَلَكُ في كلام العرب كل مستدير وجمعه أَفْلاَك، ومنه فلك المغزل. قال الضحاك : الفلك ليس بجسم، وإنما هو مدار هذه النجوم. وقال الكلبي : الفلك استدارة السماء. وقال بعضهم : الفلك موج مكفوف تجري الشمس والقمر والنجوم فيه. وقيل : ماء مجموع تجري فيه الكواكب. واحتجوا بأن السباحة لا تكون إلا في الماء. وأجيبوا بالمنع، فإنه يقال في الفرس الذي يمدّ يديه في الجري « سابح.
وقال الحسن : الفلك طاحونة كهيئة فلكة المغزل.
وقال جمهور الفلاسفة وأصحاب الهيئة : الأفلاك أجرام صلبة لا ثقيلة ولا خفيفة غير قابلة للخرق والالتئام والنمو والذبول. واختلف الناس في حركات الكواكب، فقال بعضهم : الفلك ساكن والكواكب تتحرك فيه كحركة السمكة في الماء، وقال آخرون : الفلك متحرك، والكواكب تتحرك فيه أيضاً إما مخالفاً لجهة حركته، أو موافقاً لجهته إما بحركة مساوية لحركة الفلك في السرعة والبطء أو مخالفة.
وقيل : الفلك متحرك والكواكب مغزورة فيه. أما الأول فقالت فذلك أيضاً يوجب الخرق، وإن كانت حركتها إلى جهة حركة الفلك فإن كانت مخالفة لها في السرعة والبطء لزم الانخراق، وإن استويا في الجهة والسرعة والبطء فالخرق أيضاً لازم، لأن الكوكب يتحرك بالعرض بسبب حركة الفلك فتبقى حركته الذاتية زائدة فيلزم الخرق. فلم يبق إلا القسم الثالث، وهو أن يكون الكوكب مغزوراً في الفلك، والفلك يتحرك، فيتحرك الكوكب بسبب حركة الفلك. واعلم أن مدار هذا الكلام على أن امتناع الخرق على الأفلاك باطلن بل الحق أن الأقسام الثلاثة ممكنة، والله تعالى قادر على كل الممكنات والذي دل عليه لفظ القرآن أن الأفلاك ثابتة و الكواكب جارية كما تسبح السمكة في الماء.

فصل


احتج ابن سينا على كون الكواكب أحياء ناطقة بقوله »
يَسْبَحُونَ « قال : والجمع بالواو والنون لا يكون للعقلاء، وبقوله تعالى :﴿ والشمس والقمر رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [ يوسف : ٤ ].
والجواب إنما أتى بضمير العقلاء للوصف بفعلهم وهو السباحة.


الصفحة التالية
Icon