قوله تعالى :﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد ﴾ الآية. لما استدل بالأشياء المذكورة، وهي من أصول النعم الدنيوية أتبعه بما يدل على أن هذه الدنيا أمرها كذلك يبقى ولا يدوم، وإنما خلقها سبحانه وتعالى للابتلاء والامتحان، وليتوصل بها إلى دار الخلود فقال :﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد ﴾.
قال مقاتل : إن ناساً كانوا يقولون : إن محمداً لا يكون فنزلت هذه الآية.
وقيل : كانوا يقدرون أنه سيموت فيشمتون به في قولهم : نتربص بمحمد ريب المنون، فنفى الله عنه الشماتة بهذه الآية فقال :﴿ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون ﴾ قضى الله تعالى أن لا يخلد في الدنيا بشراً لا أنت ولا هم، وفي هذا المعنى قول القائل :
٣٧١٣- فَقُلْ للشَّامِتِينَ بِنَا أَفِيقُوا | سيلقى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا |
قوله :﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت ﴾ هذا العموم مخصوص فإن له تعالى نفساً لقوله تعالى :﴿ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ﴾ [ المائدة : ١١٦ ] مع الموت لا يجوز عليه.
قال ابن الخطيب : وكذا الجمادات لها نفوس، وهي لا تموت، والعام المخصوص حجة فيبقى معمولاً به فيما عدا هذه الأشياء، وذلك يبطل قول الفلاسفة في أن الأرواح البشرية والعقول والنفوس الفلكية لا تموت. واعلم أن الذوق ها هنا لا يمكن إجراؤه على ظاهره، لأن الموت ليس من جنس المطعوم حتى يذاق، بل الذوق إذ ذاك خاص، فيجوز جعله مجازاً عن اصل الإدراك.
وأما الموت فالمراد منه هنا مقدماته من الآلام العظيمة، لأن الموت قبل دخوله في الوجود يمتنع إدراكه، وحال وجوده يصير الشخص ميتاً، والميت لا يدرك شيئاً والإضافة في ﴿ ذَآئِقَةُ الموت ﴾ في تقدير الانفصال، لأنه لما يستقبل، كقوله :﴿ غَيْرَ مُحِلِّي الصيد ﴾ [ المائدة : ١ ] و ﴿ هَدْياً بَالِغَ الكعبة ﴾ [ المائدة : ٩٥ ].
قوله :﴿ وَنَبْلُوكُم بالشر والخير ﴾ « نَبْلُوكُمْ » نختبركم « بالشَّر والخَيْرِ » بالشدة والرخاء، والصحة والسقم والغنى والفقر.