قوله تعالى :﴿ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ﴾ الآية. في المراد بالإنسان قولان :
أحدهما : أنه النوع، وذلك أنهم كانوا يستعجلون العذاب ﴿ وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد ﴾. ( والمعنى أن ينبته من العجلة وعليها طبع كما قال :﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾ [ الإسراء : ١١ ]. فإن قيل : مقدمة الكلام لا بد وأن تكون مناسبة للكلام وكون الإنسان مخلوقاً من العجل يناسب كونه معذوراً فيه فلم رتب على هذه المقدمة قوله :﴿ فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ ﴾ ؟
فالجواب أنه تعالى نبه بهذا على أن ترك الاستعجال حالة مرغوب فيها.
القول الثاني : أن المراد بالإنسان شخص معين، فقال ابن عباس في رواية عطاء : نزلت هذه الآية في النضر بن الحرث.
وقال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي والكلبي ومقاتل والضحاك : المراد آدم عليه السلام. وروى ابن جريج وليث بن أبي سليم قال : خلق آدم بعد كل شيء من آخر نهار يوم الجمعة، فلما دخل الروح رأسه ولم يبلغ الروح إلى رجليه عجلان إلى ثمار الجنة فوقع فقيل :﴿ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ﴾ والقول الأول أولى، لأن الغرض ذم القوم، وذلك لا يحصل إلا إذا حملنا لفظ الإنسان على النوع. قوله :« من عجل » فيه قولان :
أحدهما : أنه من باب القلب، والأصل : خُلِقَ العَجَلُ مِنَ الإنْسَانِ لشدة صدوره منه وملازمته له وإلى هذا ذهب أبو عمرو، ويؤيده قراءة عبد الله :« وَخُلِقَ العَجَلُ مِنَ الإنْسَانِ ». والقلب موجود في كلامهم قال الشاعر :
٣٧١٤- حَسَرْتُ كَفِّي عَنِ السِّرْبَالِ آخذُهُ... يريد : حسرت السربال عن كفي.
ومثله في الكلام : إذا طلعت الشِّعرى استوى العود على الحِرْبَاء وقالوا : عرضت الناقة على الحوض، وتقدم منه أمثلة إلا أن بعضهم يخصه بالضرورة وتقدم فيه ثلاثة مذاهب.
والثاني : أنه لا قلب فيه، وفيه ثلاث تأويلات أحسنها أن ذلك على المبالغة جعل ذات الإنسان كأنها خلقت من نفس العجلة دلالة على شدة اتصاف الإنسان بها، وأنها مادته التي أخذ منها كما قيل للرجل الذي هو حاد : نار تشعل العرب قد تسمى المرء بما يكثر منه، فتقول : ما أنت إلا أكل ونوم، وما هو إلا إقبال وإدبار، قال الشاعر :

٣٧١٥- تَرْتَعُ مَا رَتَعَتْ حتى إذَا ادَّكَرَتْ فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ
ويتأكد هذا بقوله :﴿ وَكَانَ الإنسان عَجُولاً ﴾ [ الإسراء : ١١ ].
قال المبرد :﴿ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ﴾ أي من شأنه العجلة كقوله ﴿ خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ﴾ [ الروم : ٥٤ ] أي : ضُعَفَاء. ومثله في المبالغة من جانب النفي قوله عليه السلام :« لست من الدَّدِ وَلاَ الدِّدُ مِنِّي »، والدُّدُ : اللعب، وفيه لغات : دَدٌ محذوف اللام ودَدَا مقصوراً كعصا، ودَدَنٌ بالنون. وألفه في إحدى لغاته مجهولة الأصل لا يدري أهي عن ياء أو واو. وقيل :﴿ خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ ﴾ أي بسرعة، وتعجيل من غير ترتيب خلق سائر الآدميين من النطفة ثم العلقة ثم المضغة ثم العظام ثم أنشأناه خلقاً آخر.


الصفحة التالية
Icon