وقال أبو حيان : والظاهر أن مفعول « يَعْلَمُ ) محذوف لدلالة ما قبله، أي : لو يعلم الذين كفروا مجيء الموعد الذي سألوا عنه واستبطأوه، و » حِينَ « منصوب بالمفعول الذي هوة مجيء، ويجوز أن يكون من باب الإعمال على حذف مضاف، وأعمل الثاني، والمعنى : لو يعلمون مباشرة النار حيت لا يكفونها عن وجوههم.
فصل
ثم إنه تعالى ذكر في رفع هذا الحزن عن قلب رسول الله - ﷺ - وجهين : الأول : أنه بيَّن ما لصاحب هذا الاستهزاء من العقاب الشديد فقال ﴿ لَوْ يَعْلَمُ الذين كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ أي : لو يعلمون الوقت الذي يسألون عنه بقولهم » مَتَى هَذَا الوَعْدُ « وهو وقت صعب شديد تحيط بهم فيه النار من قدّام ومن خلف، فلا يقدرون على دفعها عن أنفسهم، ولا يجدون ناصراً ينصرهم كقوله :﴿ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ الله إِن جَآءَنَا ﴾ [ غافر : ٢٩ ]. وإنما خص الوجوه والظهور، لأن مس العذاب لها أعظم موقعاً.
قال بعضهم :﴿ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ ﴾ السياط. قوله » بَغْتَةٌ « نصب على الحال، أي : مباغتة. والضمير في » تأتيهم « يعود على النار، وقيل : على الحين، لأنه في معنى الساعة. وقيل : على الساعة التي تضطرهم فيها إلى العذاب. وقيل : على الوعد، لأنه في معنى النار التي وعدوها قاله الزمخشري. وفيه تكلّف. وقرأ الأعمش :» بَلْ يَاْتِيهِمْ « بياء الغيبة » بَغْتَةٌ « بفتح الغين » فَيَبْهَتَهُمْ « بالياء أيضاً. فأما الياء فأعاج الضمير على الحين أو على الوعد، وقيل : على » النَّار « وإنام ذكر ضميرها، لأنها في معنى العذاب، ثم راعى لفظ » النَّارِ « فأنث في قوله :» رَدَّهَا «. وقوله » بَلْ تِأْتِيهِمْ « إضراب انتقال.
وقال ابن عطية :» بَلْ « استدراك مُقَدَّرٌ قبله نفيٌّ تقديره : إنَّ الآيات لا تأتي على حسب اقتراحهم. وفيه نظر، لأنه يصير التقدير : لا تأتيهم الآيات على حسب اقتراحهم بل تأتيهم بغتة، فيكون الظاهر أن الآيات تأتي بغتة، وليس ذلك مراداً قطعاً. وإن أراد أن يكون التقدير : بل تأتيهم الساعة أو النار، فليس مطابقاًُ لقاعدة الإضراب.
فصل
لما بين شدة هذا العقاب بين أن وقت مجيئه غير معلوم لهم ﴿ بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً ﴾ وهم غير محتسبين ولا مستعدين » فَتَبْهَتهُمْ « أي : تدعهم حيارى واقفين ﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً ﴾ [ النساء : ٩٨ ] في ردها، ﴿ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ أي لا يمهلون لتوبة أو معذرة. وإنام لم يعلم المكلفين وقت الموت ( والقيامة لما ) فيه من المصلحة، لأن المرء مع كتمان ذلك أشد حذراً وأقرب إلى التلافي.
ثم ذكر الوجه الثاني في دفع الحزن عن قلب الرسول - عليه السلام- فقال :﴿ وَلَقَدِ استهزىء بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بالذين سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ أي : عقوبة استهزائهم. و » حَاقَ « وحَقّ بمعنى كزَالَ وزَلَّ، والمعنى : فكذلك يحيق بهؤلاء وبال استهزائهم.