والنفح : الخطرة. قال ابن عباس :« نَفْخَةٌ » طرف. وقيل : قليل : وقال ابن جريج : نصيب من قولهم : نفح فلان لفلان من ماله أي : أعطاه حظاً منه، قال :

٣٧١٨- إِذَا رَيْدَةٌ مِنْ مَا نَفَحَتْ لَهُ أَتَاهُ برَيَّاهَا خَليلٌ يُوَاصِلُهْ
وقيل : ضربة، من قولهم : نفحت الدابة برجلها، أي : ضربت.
و « مِنْ عَذَابِ » صفة ل « نَفْحَةٌ ».
ثم بيّن تعالى أن جميع ما ينزل بهم في الآخرة لا يكون إلاّ عدلاً فيهم بقولهم :﴿ لَيَقُولُنَّ ياويلنآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ أي : مشركين دعوا على أنفسهم بالويل بعد ما أقروا بالشرك.
قوله :﴿ وَنَضَعُ الموازين القسط ﴾ قال الزجاج : ذوات القسط، ووَضْعُها إحضارها. ( وإنما جمع « المَوَازِينَ » لكثرة من توزن أعمالهم، وهو جمع تفخيم. ويجوز أن يرجع إلى الموزونات ). وفي نصب « القِسْطَ » وجهان :
أحدهما : أنه نعت للموازين، وعلى هذا فلم أُفردَ؟ وعنه جوابان :
أحدهما : أنه في الأصل مصدر، والمصدر يوحّد مطلقاً.
واثاني : أنه على حذف مضاف.
الوجه الثاني : أنه مقعول من أجله أي : لأجل القسط، إلا أن في هذا نظراً، من حيث إن المفعول له إذا كان معرّفاً ب ( أل ) يقل تجرّده من حرف العلة تقول : جئت للإكرام، ويقل : جئت الإكرام، كقوله :
٣٧١٩- لاَ أَقْعُدُ الجُبْنَ عَنِ الهَيْجَاءِ وَلَوْ تَوَالَتْ زُمَرُ الأَعْدَاءِ
وقرئ : القِصْطَ بالصاد، لأجل الطاء. وقد تقدّم.
قوله :« لِيَوْمِ القِيَامَة » في هذه اللام أوجه :
أحدها : قال الزمخشري : مثلها في قولك : جئت لخمس خلون من الشهر ومنه بيت النابغة :
٣٧٢٠- تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ فَعَرَفْتُهَا لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا العَامِ سَابِعُ
والثاني : أنها بمعنى ( في ) وإليه ذهب بن قتيبة وابن مالك وهو رأي الكوفيين ومنه عندهم :« لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا » وكقول مسكين الدارمي :
٣٧٢١- أُوْلَئِكَ قَوْمِي قَدْ مَضَوا لسبيلِهِمْ كَمَا قَدْ مَضَى مِنْ قَبْل عَادٌ وَتُبَّعُ
وكقول الآخر :
٣٧٢٢- وَكُلَّ أب وابن وإن عمرا معاً مقيمين مفقود لوقت وفاقد
والثالث : أنها على بابها من التعليل ولكن على حذف مضاف أي : لحساب يوم القيامة و « شَيْئاً » يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً، وأن يكون مصدراً، لأي : شيئاً من الظلم.

فصل


في وضع الموازين قولان :
أحدهما : قال مجاهد : هذا مثل، والمراد بالموازين العدل، ويورى مثله عن قتادة والضحاك، والمراد بالوزن : القسط بينهم في الأعمال، فمن أحاطت حسناته بسيئاته ثقلت موازينه أي : ذهبت سيئاته وحسناته حكاه ابن جرير عن ابن عباس.
والثاني : أنَّ الموازين توضع حقيقة ويوزن بها الأعمال، « روي عن الحسن أنه ميزان له كفتان ولسان وهو بيد جبريل - عليه السلام - يروى » أنَّ داود - عليه السلام- سأل ربه أنْ يُرِيَهُ الميزان، فأراه كل كفة ما بين المشرق والمغرب فغشي عليه، ثم أفاق، فقال : إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته حسنات، فقال : يا داود إنّي إذا رضيت عن عد ملأتها بتمرة «.


الصفحة التالية
Icon