أي : أنه يحب محله فيصح المعنى إذْ يصير التقدير : ولقد آتيناه رشداً إذْ قال. وهو بعيدٌ من المعنى بهذا التقدير.
قوله :﴿ مَا هذه التماثيل ﴾ أي : الصور، يعني : الأصنام. والتمثال : اسم للشيء المصنوع مشبهاً بخلق من خلق الله. وأصله من مثَّلْتُ الشيء بالشيء : إذا شبهته به، فاسم ذلك المُمَثَّل تِمْثَال. والتَّمَاثِيلُ : جمع تِمْثَال، وهو الصورة المصنوعة من رخام، أو نحاس، أو خشب، أو حديد؛ يشبه بخلق الآدمي وغيره من الحيوانات، فال امرؤ القيس :

٣٧٢٤- فَيَا رُبَّ يَوْمٍ قَدْ لَهَوْتُ وَلَيْلَةٍ بِآنِسَةٍ كَأَنَّهَا خَطُّ تِمْثَالِ
قوله :« لَهَا » قيل : اللام للعلة، أي : عاكفون لأجلها. وقيل : بمعنى ( على )، أي : عاكفون عليها. وقيل : ضمّن « عَاكِفُونَ » معنى عابدين فلذلك أتى باللام وقال أبو البقاء : وقيل : أفادت معنى الاختصاص.
وقال الزمخشري : لم ينو للعاكفين مفعولاً، وأجراه مجرى ما لا يتعدى كقوله : فاعلون العكوف لها، أو واقفون لها. فإن قلت : هلاَّ قيل : عليها عاكفون كقوله :﴿ يَعْكُفُونَ على أَصْنَامٍ لَّهُمْ ﴾ [ الأعراف : ١٣٨ ] قلت : لو قصد التعدية لعداه بصلته التي هي « على ».
قال شهاب الدين : الأولى أن تكون اللام للتعليل وصلة « عَاكِفُونَ » محذوفة أي : عاكفون عليها، أي : لأجلها لا لشيء آخر.
قوله :﴿ قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾ « عَابِدِينَ » مفعول ثان ل « وَجَدْنَا » و « لَهَا » لا تعلق له، لأنَّ اللام زائدة في المفعول به لتقدمه.

فصل


اعلم أنَّ القوم لم يجدوا في جوابه إلاَّ طريقة التقليد فأجابوه بأنَّ آباءهم سلكوا هذا الطريق، فاقتدوا بهم، فلا جرم أجابهم إبراهيم -عليه السلام- بقوله :﴿ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ فبين أنَّ الباطل لا يصير حقاً بكثرة المتمسكين به. قوله :« أَنْتُمْ » تأكيد للضمير المتصل.
قال الزمخشري : و « أَنْتُمْ » من التأكيد الذي لا يصح الكلام مع الإخلال به، لأن العطف على ضمير هو في حكم بعض الفعل ممتنع، ونحوه ﴿ اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة ﴾ [ البقرة : ٣٥، الأعراف : ١٩ ]. قال أبو حيان : وليس هذا حكماً مجمعاً عليه فلا يصح الكلام مع الإخلال به، لأنَّ الكوفيين يجيزون العطف على الضمير المتصل المرفوع من غير تأكيد بالضمير المنفصل، ولا فصل، وتنظير ذلك ب ﴿ اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ الجنة ﴾ [ البقرة : ٣٥، الأعراف : ١٩ ] مخالف لمذهبه في ﴿ اسكن أَنتَ وَزَوْجُكَ ﴾ [ البقرة : ٣٥، الأعراف : ١٩ ] لأنه يزعم أَنَّ « وَزَوْجَكَ » ليس معطوفاً على الضمير المستكن في « اسْكُنْ » بل مرفوع بفعل مضمر أي : وليسكن، فهو عنده من قبيل عطف الجمل، وقوله هذا مخالف لمذهب سيبويه.
قال شهاب الدين : لا يلزم من ذلك أنه خالف مذهبه إذ يجوز أن ينظر بذلك عند من يعتقد ذلك وإن لم يعتقد ( هو ).
و « فِي ضَلاَلٍ » يجوز أن يكون خبراً إن كانت ( كَانَ ) ناقصة، أو متعلقاً ب « كُنْتُمْ » إن كانت تامة.


الصفحة التالية
Icon