قوله :﴿ أَجِئْتَنَا بالحق أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين ﴾ لما حقق عليه السلام ذلك عليهم، ولم يجدوا من كلامه مخلصاً ورأوه منكراً عليهم من كثرتهم ﴿ قالوا أَجِئْتَنَا بالحق أَمْ أَنتَ مِنَ اللاعبين ﴾ فأوهموه بهذا الكلام أنه يبعد أن يقدم على الإنكار عليهم جاداً في ذلك، وقالوا : أجاد أنت فيما تقول أم لاعب، فأجابهم بقوله -عليه السلام- ﴿ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السماوات والأرض ﴾ الآية. قوله « بالحَقِّ » متعلق ب « جئت »، وليس المراد به حقيقة المجيء إذ لم يكن غائباً. و « أَمْ أَنْتَ » « أَمْ » متصلة وإن كان بعدها جملة، لأنها في حكم المفرد إذ التقدير : أي الأمرين واقع مجيئك بالحق أم لعلك كقوله :

٣٧٢٥- ما أُبَالِي أَنَبَّ بِالحَزْنِ تَيْسٌ أَمْ لَحَانِي بِظَهْرٍ غَيْبٍ لَئِيمُ
وقوله :
٣٧٢٦- لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي، وَإِنْ كُنْتَ دَارِياً شُعَيْبُ بنُ سَهْمٍ أَمْ شُعَيْثُ بْنُ مِنْقَرِ
يريد : أي الأمرين واقع، ولو كانت منقطعة لَقُدِّرَتْ ب ( بل ) والهمزة وليس ذلك مراداً. قوله :« الذي فَطَرَهُنَّ » يجوز أن يكون مرفوع الموضع أو منصوبه على القطع. والضمير المنصوب في « فَطَرَهُنَّ » للسموات والأرض. قال أبو حيان : ولما لم تكن السموت والأرض تبلغ في العدد الكثير منه جاء الضمير ضمير القلة. قال شهاب الدين : إن عنى لم تبلغ كل واحد من السموات والأرض فمسلم ولكنه غير مراد، بل المراد المجموع، وإن عنى لم تبلغ المجموع منهما فغير مسلم، لأنه يبلغ أربع عشرة، وهو فوق حد جمع الكثرة، اللهم إلاَّ أنْ نقول : إنَّ الأرض شخص واحد وليست بسبع كالسماء على ما رآه بعضهمن فيصح له ذلك، ولكنه غير معول عليه. وقيل : على التماثيل.
قال الزمخشري : وكونه للتماثيل أثبت لتضليلهم وأدخل في الاحتجاج عليهم.
وقال ابن عطية :« فَطَرَهُنَّ » عبارة عنها كأنها تعقل، وهذا من حيث لها طاعة وانقياد، وقد وصفت في مواضع بوصف من يعقل. وقال غيره :« فَطَرَهُنَّ » أعاد ضمير من يعقل لما صدر منهن من الأحوال التي تدل على أنهما من قبيل مَنْ يعقل، فإنَّ الله تعالى أخبر بقوله :﴿ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ﴾ [ فصلت : ١١ ] وقوله -عليه السلام- « أطَتِ السماءُ وحقَّ لها أن تَئِطّ » قال شهاب الدين : كأنَّ ابن عطية وذا القائل توهما أنَّ ( هُنَّ ) من الضمائر المختصة بالمؤنثات العاقلات، وليس كذلك بل هو لفظ مشترك بين العاقلات وغيرها قال تعالى :﴿ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ [ التوبة : ٣٦ ] ثم قال تعالى :﴿ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [ التوبة : ٣٦ ].
قوله :« عَلَى ذَلِكُمْ » متعلق بمحذوف أو ب « الشَّاهشدِينَ » اتساعاً، أو على البيان، وقد تقدم نظيره نحو ﴿ لَكُمَا لَمِنَ الناصحين ﴾ [ الأعراف : ٢١ ].

فصل


اعلم أنَّ القوم لمَّا أوهموه أنه كالمازح في ما خاطبهم به أمر أصنامهم أظهر ذلك بالقول أولاً ثم بالفعل ثانياً.


الصفحة التالية
Icon