وإن لم يكونوا عقلاء لم يحسن مناظرتهم ولا بعثة الرسل إليهم.
فالجواب : أنهم كانوا عقلاء وكانول عالمين بالضرورة أنها جمادات، ولكن لعلهم كانوا يعتقدون فيها أنها تماثيل للكواكب، وأنها طلمسات موضوعة، بحيث إنَّ كل من عبدها انتفع، وكل من استخف بها ناله منها ضرر شديد، ثم إنَّ إبراهيم -عليه السلام- كسرها ولم ينله منها ضرر ألبتة، فكان فعله دالاً على فساد مذهبهم. قوله ﴿ مَن فَعَلَ هذا ﴾ يجوز في « مَنْ » أن تكون استفهامية وهو الظاهر، فعلى هذا تكون الجملة من قوله :﴿ إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين ﴾ استئنافاً لا محل لها من الإعراب. ويجوز أن تكون موصولة بمعنى ( الَّذِي )، وعلى هذا فالجملة من « إنَّهُ » في محل رفع خبراً للموصول، والتقدير : الذي فعل في الظلمة إما لجرأته على الآلهة الحقيقة بالتوقير والإعظام، وإما لأنهم رأوا إفراطاً في كسرها، وتمادياً في الاستهانة بها.
قوله :« يَذْكُرُهُمْ ». في هذه الجملة أوجه :
أحدها : أن « سمع » هنا يتعدى لاثنين، لأنها متعلقة بعين، فيكون « فَتًى » مفعولاً أولاً و « يَذْكُرُهُمْ » هذه الجملة في محل نصب مفعول ثانياً، ألا ترى أنك لو قلت : سَمِعْتُ زَيْداً، وسَكَّتَ لم يكن كلاماً بخلاف : سمعت قراءته وحديثه.
والثاني : أنها في محل نصب أيضاً صفة ل « إبراهيم ».
قال الزمخشري : فإن قُلْتَ : ما حكم الفعلين بعد « سَمِعْنَا »، وما الفرق بينهما؟ قلت : هما صفنان ل « فَتًى » إلاَّ أنَّ الأول وهو « يَذْكُرُهُمْ » لا بدَّ منه ل « سَمِع » لأنك لا تقول : سَمِعْتُ زَيْداً وتسكت حتى تذكر شيئاً مما يسمعن وأما الثاني فليس كذلك. وهذا الذي قاله لا يتعين لما عرفت أن سمع إن تعلقت بما سمع نحو سمعت مقالة بكر فلا خلاف أنها تتعدى لواحد. وإن تعلقت بما لا يسمع فلا يكتفى به أيضاً بلا خلاف بل لا بدّ من ذكر شيء يسمع، فلو قلت : سَمِعْتُ زَيْداً، وسكت، أم سَمِعْتُ زَيْداً يركب، لم يجز، فإن قلت : سمعته يقرأ صح، وجرى في ذلك خرف بين النحاة فأبو علي يجعلها متعدية لاثنين، ولا يتمشى عليه قول الزمخشري. وغيره يجعلها متعدية لواحد، ويجعل الجملة بعد المعرفة حالاً وبعد النكرة صفة، وهذا أراد الزمخشري.
قوله :« إِبْرَاهِيمُ ». في رفع « إِبْرَاهِيمُ » أوجه :
أحدها : أنه مرفوع على ما لم يسم فاعله، أي : يقال له هذا اللفظ، وكذلك قال أبو البقاء : فالمراد الاسم لا المسمى.