قوله :﴿ قَالَ رَبِّ ﴾ : لا محلَّ لهذه الجملةِ؛ لأنها تفسير لقوله « نَادَى ربَّهُ » وبيانٌ، ولذلك ترك العاطف بينهما؛ لشدَّة الوصل.
قوله :« وهَنَ » العامَّةُ على فتحِ الهاء، وقرأ الأعمشُ بكسرها، وقُرئ بضمِّها، وهذه لغاتٌ في هذه اللفظة، ووحَّد العظم لإرادة الجنس؛ يعني : أنَّ هذا الجنسَ الذي هو عمودُ البدنِ، وأشدُّ ما فيه، وأصلبه، قد أصابه الوهنُ، ولو جمع، لكان قصداً آخر : وهو أنه لم يهن منه بعضُ عظامه، ولكن كلُّها، قاله الزمخشريُّ، وقيل : أطلقَ المفردُ، والمرادُ به الجمعُ؛ كقوله :[ الطويل ]
٣٥٧٧- بِهَا جِيفَ الحَسْرَى فأمَّا عِظَامُهَا | فبِيضٌ وأمَّا جِلْدُها فصليبُ |
٣٥٧٨- كُلُوا في بعضِ بَطْنكمُ تَعِفُّوا | فإنَّ زمانَكُم زمنٌ خَمِيصُ |
و « مِنِّي » حالٌ من « العَظْم » وفيه ردٌّ على من يقول : إنَّ الألف واللام تكونُ عوضاً من الضمير المضافِ إليه؛ لأنه قد جمع بينهما هنا، وإن كان الأصل : وهن عظمي، ومثله في الدَّلالةِ على ذلك ما « أنشد شاهداً على ما ذكرتُ :[ الطويل ]
٣٥٧٩- رَحِيبٌ قِطَابُ الجَيْبِ مِنْهَا رفيقةٌ | بجَسِّ النَّدامَى بضَّةُ المُتَجَرِّدِ |
فصل
قال قتادة : اشتكى سُقُوط الأضراس.
قوله :﴿ واشتعل الرأس شَيْباً ﴾ أي : ابْيَضَّ شعر الرَّأس شيباً.
وفي نصب » شَيْباً « ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها -وهو المشهور- : أنه تمييزٌ منقولٌ من الفاعلية؛ إذ الأصل : اشتعل شيبُ الرَّأسِ، قال الزمخشريُّ :» شبَّه الشَّيب بشُواظِ النَّار في بياضهِ، وانتشاره في الشَّعْر، وفُشُوِّه فيه، وأخذه منه كُلُّ مأخذٍ باشتعالِ النَّار، ثم أخرجه مخرج الاستعارةِ، ثم أسند الاشتعال إلى مكانِ الشِّعْر، ومنبته، وهو الرَّأسُ، وأخرج الشَّيب مُمَيَّزاً، ولم يَضفِ لها بالبلاغةِ « انتهى، وهذا من استعارة محسُوسٍ لمحسُوسٍ، ووجه الجمع : الانبسَاطُ والانتشَارُ.
والثاني : أنه مصدرٌ على غيرِ الصَّدْرِ، فإنَّ » اشْتَعَلَ الرَّأسُ « معناه » شَابَ «.
الثالث : أنه مصدرٌ واقعٌ موقع الحالِ، شاَئِباً، أو ذا شيب.
وأدغم السِّين في الشِّين أبو عمرٍ.
وقوله :» بِدُعائِكَ « فيه وجهان :
أحدهما : أنَّ المصدر مضافٌ لمفعوله، أي : بُدعائي إيَّاك.
والمعنى : عوَّدتني الإجابة فيما مضى، ولم تُخَيِّبْنِي.
والثاني : أنه مضافٌ لفاعله، أي : لم أكن بدعائك لي إلى الإيمان شقيَّا، أي : لما دعوتني إلى الإيمان، آمنتُ، ولم أشق.
قوله :﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الموالي ﴾ : العامَّةُ على » خِفْتُ « بكسر الخاء، وسكون الفاء، وهو ماضٍ مسندٌ لتاءِ المتكلِّم، و » الموالِي « مفعولٌ به؛ بمعنى : أنَّ مواليهُ كانُوا شِرَارَ بني إسرائيل، فخافهم على الدِّين، قاله الزمخشريٌُّ.
قال أبو البقاء :» لا بُدَّ من حذفِ مضافٍ، أي : عدم الموالي، أو جَوْرَ الموالي «.
وقال الزهريُّ كذلك، إلا انه سكَّن ياء » المَوالِي « وقد تقدّضمَ أنَّه قد تُقدَّر الفتحةُ في الياء، والواو، وعليه قراءة زيد بن عليٍّ ﴿ تُطْعِمُونَ أَهالِيكُمْ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ].