وقرأ أبو بكر « لِنُحْصِنَكُمْ » بالنون جرياً على « عَلَّمْنَاهُ ». وعلى هذه القراءات الثلاث الحاء ساكنة والصاد مخففة. وقرأ الأعمش « لِيحَصِّنكم » وكذا النعيمي عن أبي عمرو بفتح الحاء وتشديد الصاد على التكثير إلاَّ أن الأعمش بالتاء من فوق وأبو عمرو بالياء من تحت وقُدِّمَ ما هو الفاعل.

فصل


معنى « لِنُحْصِنَكُم » أي : لنحرزكم ونمنعكم من بأسكم أي : حرب عدوكم.
وقال السُّديّ : من وقع السلاح فيكم. ذكر الحسن أن لقمان الحكيم -صلوات الله عليه- حضر داود وهو يعمل الدرع، فأراد أن يسأله عمَّا يفعل ثم كف عن السؤال حتى فرغ منها ولبسها على نفسه، فقال عند ذلك : الصمت حكمة وقليل فاعله. ثم قال تعالى :﴿ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ يقول لداود وأهل بيته وقيل : يقول لأهل مكة، فهل أنتم شاكرون نعمي بالطاعة الرسول.
قوله تعالى :﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الريح ﴾ العامة على النصب، أي : وسخرنا لسليمان، فهي منصوبة بعامل مقدر. وقرأ ابن هرمز وأبو بكر عن عاصم في رواية بالرفع عى الابتداء، والخبر الجار قبله. وقرأ الحسن وأبو رجاء بالجمع والنصب. وأبو حيوة بالجمع والرفع. وتقدم الكرم على الجمع والإفراد في البقرة، وبعض هؤلاء قرأ في سبأ وكذلك كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
قوله :« عَاصِفَةً » حال، والعامل فيها على قراءة من نصب « سَخَّرْنَا » المقدر، وفي قراءة من رفع الاستقرار الذي تعلق به الخبر. يقال : عَصَفتِ الرِّيْحُ تَعْصِفُ عَصْفاً وعُصُوفاً، فهي عَاصِفٌ وعَاصِفَةٌ. وأسد تقول : أَعصَفَتِ بالألف تعصف، فهي مُعْصِفٌ ومَعْصِفَةٌ. والريح تذكر وتؤنث. والعاصفة : الشديدة الهبوب. فإن قيل : قد قال في موضع آخر ﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً ﴾ [ ص : ٣٦ ] والرخاء : اللين قيل : كانت الريح تحت أمره، إن أراد أن تشتد اشتدت، وإن أراد أن تلين لانت.
فإن قيل : قال في داود :﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال ﴾، وقال في حق سليمان ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الريح ﴾ فذكر في حق داود بكلمة مع وفي حق سليمان باللام وراعى هذا الترتيب أيضاً في قوله ﴿ ياجبال أَوِّبِي مَعَهُ ﴾ [ سبأ : ١٠ ] وقال :﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح تَجْرِي بِأَمْرِهِ ﴾ [ ص : ٣٦ ] فما الفائدة في تخصيص داود بلفظ مع، وسليمان باللام؟
فالجواب : يحتمل أنّ الجبل لما اشتغل بالتسبيح حصل له نوع شرف فما أضيف بلام التمليك، وأما الريح فلم يصدر منه إلا ما يجري مجرى الخدمة فلا جرم أضيف إلى سليمان بلام التمليك وهذا جواب إقناعي.
قوله :« تَجْرِي » يجوز أن تكن حالاً ثانية، وأن تكون حالاً من الضمير في « عَاصِفَة » فتكون حالين متداخلين. وزعم بعضهم : أَنَّ « الَّتِي بَارَكْتَا ( فِيهَا » صفة للريح، وفي الآية تقديم وتأخير، والتقدير : الريح التي باركنا فيها ) إلى الأرض.


الصفحة التالية
Icon