وقرئ « إِنَّهُمْ » بالكسر على الاستئناف، وحينئذ فلا بُدَّ من تقدير مبتدأ يتم به الكلام تقديره : ذلك العمل الصالح حرام، وتقدم تحرير ذلك.
قوله تعالى :﴿ حتى إِذَا فُتِحَتْ ﴾ الآية. تقدم الكلام على ( حَتَّى ) الداخلة على ( إذا ) مشبعاً. وقال الزمخشري هنا : فإن قُلْت : بم تعلقت ( حَتَّى ) واقعة غاية له وأية الثلاث هي؟ قلت : هي متعلقة ب « حَرَام » وهي غاية له، لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى الشرط والجزاء أعني : إذا وما في حيزها. وأبو البقاء نحا هذا النحو، فقال : و « حَتَّى » متعلقة في المعنى ب « حَرَام ». أي : يستمر الامتناع إلى هذا الوقت، ولا عمل لها في « إذَا ». قال الحوفي : هي غاية، والعامل فيها ما دل عليه المعنى من تأسفهم على ما فرطوا فيه من الطاعة حين فاتهم الاستدراك. وقال ابن عطية :« حَتَّى » متعلقة بقوله :« وَتَقَطَّعُوا »، ويحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تتعلق ب « يَرْجِعُونَ »، ويحتمل أن تكون حرف ابتداء، وهو الأظهر بسبب ( إذا ) لأنها تقتضي جواباً للمقصود ذكره.
قال أبو حيان : وكون ( حَتَّى ) متعلقة ب « تَقَطَّعُوا » فيه من بعد حيث كثرة الفصل لكنه من حيث المعنى جَيِّد، وهو أنهم لا يزالون مختلفين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة، فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك كله. وتلخص في تعلق ( حَتَّى ) أوجه :
أحدها : أنها متعلقة ب « حَرَام ».
والثاني : أنها متعلقة بمحذوف دلَّ عليه المعنى، وهو قول الحوفي.
الثالث : أنها متعلقة ب « تَقَطَّعُوا ».
الرابع : أنها متعلقة ب « يَرْجِعُونَ ».
وتلخص في ( حتى ) وجهان :
أحدها : أنَّها حرف ابتداء، وهو قول الزمخشري وابن عطية فيما اختاره.
والثاني : إنها حرف جر بمعنى ( إلى ).
وقرأ « فُتِّحَتْ » بالتشديد ابن عامر، والباقون بالتخفيف. وتقدم ذلك أول الأنعام وفي جواب « إذَا » أوجه :
أحدها : أنه محذوف، فقدره أبو إسحاق : قالوا يا ويلنا، وقدره غيره، فحينئذ يبعثون، وقوله :﴿ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ ﴾ عطف على هذا المقدر.
والثاني : أنَّ جوابها الفاء في قوله :« فَإِذَا هِيَ » قاله الحوفي والزمخشري وابن عطية، فقال الزمخشري : و « إذا » هي للمفاجأة، وهي تقع في المجازاة سادة مسد الفاء كقوله تعالى :﴿ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴾ [ الروم : ٣٦ ]، فَإِذَا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد، ولو قيل :( إذَا هِيَ شَاخِصَةٌ ) كان سديداً.
وقال ابن عطية : والذي أقول : إنَّ الجواب في قوله :﴿ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ ﴾ وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره، لأنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرم عليهم امتناعه.
وقوله :« يَأْجُوج » هو على حذف مضاف، أي سدّ يأجوج ومأجوج، وتقدم الكلام فيهما وهما قبيلتان من جنس الإنس، يقال : الناس عشرة أجزاء تسعة أجزاء منها يأجوج ومأجوج يخرجون حيت يفتح السد.