قوله :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴾ أتى هنا ب « مَا » وهي لغير العقلاء، لأنه متى اختلط العاقل بغيره يُخَيّر الناطق بين ( مَا )، و « مَنْ ).
وقرأ العامة :» حَصَبُ « بالمهملتين والصاد مفتوحة، وهو ما يحصب أي : يرمى في النار ولا يقال له حصب إلا وهو في النار، فأما قبل ذلك فهو حطب وشجر وغير ذلك.
وقيل : يقال له حصب قبل الإلقاء في الناء. قيل : هو الحطب بلغة أهل اليمن.
وقال عكرمة : هو الحطب بالحبشية. وقرأ ابن السميفع وابن أبي عبلة ورويت عن ابن كثير بسكون الصاد، وهو مصدر، فيجوز أن يكون واقعاً موقع المفعول، أو على المبالغة، أو على حذف مضاف. وقرأ ابن عباس بالضاد معجمة مفتوحة أو ساكنة وهو أيضاً ما يرمى به في النار، ومنه المِخْضَبِ عُودٌ يُحَرَّك به النار لتوقد، وأنشد :
وقرأ أمير المؤمنين وأبيّ وعائشة وابن الزبير » حَطَبُ « بالطاء، ولا أظنها إلا تفسيراً لا قراءة.٣٧٣٩- فَلاَ تَكُ في حَرْبِنَا مِحْضَباً فَتَجْعَلَ قَوْمَكَ شَتَّى شُعُوبَا
فصل
المعنى » إِنَّكُمْ « أيُّهَا المشركون ﴿ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله ﴾ يعني الأصنام » حَصَبُ جَهَنَّم « أي : وقودها، وهذا تشبيه. وأصل الحصب الرمي، قال تعالى :﴿ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً ﴾ [ القمر : ٣٤ ] أي : ريحاً ترميهم بالحجارة.
قوله :﴿ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾. جوز أبو البقاء في هذه الجملة ثلاثة أوجه :
أحداه : أن تكون بدلاً من » حَصَبُ جَهَنَّم «.
يعني : أن الجملة بدل من المفرد الواقع خبراً، وإبدال الجملة من المفرد إذا كان أحدهما بمعنى الآخر، جائز، إذ التقدير : إنكم أنتم لها واردون.
والثاني : أن تكون الجملة مستأنفة.
والثالث : أن تكون في محل نصب على الحال من » جَهَنَّمَ « وفيه نظر من حيث مجيء الحال من المضاف إليه في غير مواضع المستثناة. ومعنى ﴿ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ أي : فيها داخلون. وإنما جاءت اللام في » لَهَا « لتقدمها تقول : أنت لزيد ضارب. كقوله تعالى :﴿ والذين هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [ المؤمنون : ٨، المعارج : ٣٢ ] والمعنى : أنه لا بُدَّ وأن تردوها، ولا معدل لكم من دخولها.
فصل
» روى ابن عباس أنه - عليه السلام- دخل المسجد وصَنَادِيد قريش في الحَطِيم. وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً، فجلس إليهم، فعرض له النضر بن الحرث فكلمه رسول الله ﷺ - حتى أفحمه، ثم تلا عليهم ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله ﴾ الآية. فأقبل عبد الله بن الزَّبَعْرَى فرآهم يتهامسون، فقال : فيم خوضكم؟ فأخبره الوليد بن المغيرة بقول رسول الله. فقال ابن الزبعرى : انت قلت ذلك؟ قال نعم.
قال : خصمتك ورب الكعبة، أليس اليهود عُزَيْراً، والنصارى عبدوا المسيح، وين مليح عبدو الملائكة. فسكت رسول الله - ﷺ - ولم يجب، فضحك القوم «