، ونزل قوله تعالى :﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابن مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وقالوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٥٧، ٥٨ ].
ونزل في عيسى والملائكة ﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ]. وفي رواية أخرى أنه - عليه السلام- قال :« بل هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك » فأنزل - تعالى- ﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ] يعني عزيراً والمسيح والملائكة. قال ابن الخطيب : واعم أنَّ سؤال ابن الزبعرى غير متوجه من وجوه :
أحدها : أنَّ ذلك الخطاب كان مع مشركي مكة، وهم كانوا يعبدون الأصنام فقط.
وثانيها : أنه لم يقل : ومن تعبدون بل قال :« وَمَا تَعْبُدُونَ ». كلمة « مَا » لا تتناول العقلاء، وأما قوله تعالى :﴿ وَمَا بَنَاهَا ﴾ [ الشمس : ٥ ] وقوله :﴿ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ [ الكافرون : ٢ ] فحمول على الشيء، ونظيره هاهنا أن يقال : إنكم والشيء الذي تعبدون من دون الله، لكن لفظ الشيء لا يفيد العموم فلا يتوجه سؤال ابن الزبعرى.
وثالثها : أنَّ مَنْ عَبَدَ الملائكة لا يَدَّعِي أنهم آلهة وقال سبحانه ﴿ لَوْ كَانَ هؤلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ﴾.
ورابعها : أنه ثبت العموم لكنه مخصوص بالدلائل العقلية والسمعية في حق الملائكة والمسيح وعزير لبراءتهم من الذنوب والمعاصي، ووعد الله إياهم بكل مكرمة، وهو المراد بقوله سبحانه ﴿ إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى ﴾ [ الأنبياء : ١٠١ ].
وخامسها : الجواب الذي ذكره رسول الله - ﷺ - وهو أنهم كانوا يعبدون الشياطين. فإن قيل : الشياطين عقلاء ولفظ « مَا » لا يتناولهم، فكيف قال ذلك؟ قلنا : كأنه - عليه السلام- قال : لو ثبت لكم أنه يتناول العقلاء فسؤالكم أيضاً غير لازم من هذا الوجه.
فإما ما قيل : إنه - عليه السلام- سكت عن إيراد ابن الزبعرى هذا السؤال، فهو خطأ، لأنه لا أقل من أنه - عليه السلام- كان يتنبّه لهذه الأجوبة التي ذكرها المفسرون، لأنه أعلم منهم باللغة وبتفسير القرآن، فكيف يجوز أن تظهر هذه الأجوبة لغيره، ولم يظهر له منها شيء.
فإن قيل : يجوز أن يسكت عليه السلام انتظاراً للبيان. قلنا : كان البيان حاضراً معه، فلم يجز عليه السكوت، لكي لا يتوهم عليه الانقطاع من سؤالهم.
ومن الناس من أجاب عن سؤال ابن الزبعرى، فقال : إن الله - تعالى- يُصَوِّر لهم في النار ملكاً على صورة مَنْ عبدوه وحينئذ تبقى الآية على ظاهرها وهذا ضعيف من وجهين :
الأول : أنَّ القوم لم يعبدوا تلك الصورة وإنما عبدوا شيئاً آخر لم يحصل معهم في النار.
الثاني : أنَّ الملك لا يصير حصب جهنم في الحقيقة، وإن صح أن يدخلها، فإنَّ خزنة النار يدخلونها مع أنهم ليسوا حصب جهنم.