قوله :﴿ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ والنطفة اسم للماء القليل، أي ماء كان، وهو هنا ماء الفحل، وجمعها نطاف، فكأنه سبحانه يقول : أنا الذي قلبت ذاك التراب اليابس ماء لطيفاً مع أنه لا مناسبة بينهما. والمراد من الخلق من النطفة الذرية.
قوله :﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴾ والعلقة قطعة الدم الجامدة، وجمعها عَلَق ولا شك أن بين الماء وبين الدم الجامد مباينة شديدة. وعن بعضهم وقد سئل عن أصعب الأشياء فقال : وقع الزلق على العلق، أي : على دم القتلى في المعركة.
قوله :﴿ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ ﴾ المُضْغَة : القطعة من اللحم قدر ما يمضغ نحو الغُرْفَة، والأكْلَة بمعنى المغروفة والمأكولة.
قوله :﴿ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ﴾ العامة على الجر في « مُخَلَّقةٍ » وفي « غَيْر » على النعت. وقرأ ابن أبي عبلة بنصبهما على الحال من النكرة، وهو قليل جداً، وإن كان سيبويه قاسه.
والمُخَلَّقَة : الملساء التي لا عيب فيها من قولهم : صخرة خلقاء، أي : ملساء وخَلَّقْتُ السواك : سوَّيْتُه ومَلَّسْتُه. وقيل : التضعيف في « مُخَلَّقَةَ » دلالة على تكثير الخلق؛ لأن الإنسان ذو أعضاء متباينة وخلق متفاوتة. قاله الشعبي وقتادة وأبو العالية وقال ابن عباس وقتادة :« مُخَلَّقة » تامة الخلق، و « غير مخلقة » أي ناقصة الخلق. وأبو مجاهد : مصورة وغير مصورة، وهو السقط. وقيل : المُخَلَّقَة من تمت فيه أحوال الخلق، وغير المخلقة من لم يتم فيه أحوال الخلق قاله قتادة والضحاك. وقيل : المُخَلَّقة الولد الذي تأتي به المرأة لوقته، وغير المخلقة السقط. وروى علقمة عن ابن مسعود قال :« إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه، وقال : أي رب مخلقة أو غير مخلقة، فإن قال : غير مخلقة قذفها في الرحم دماً ولم يكن نسمة، وإن قال : مخلقة، قال الملك : أي رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد، ما الأجل ما العمل ما الرزق وبأي أرض تموت؟ فيقال له : اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك، فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته ». قوله :« لِنُبَيِّنَ لَكُم » أي : لنبين لكم كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريف أطوار خلقكم لتسدلّوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادة وقيل : لنبين لكم أن تغيير الصفة والخلقة هو اختيار من الفاعل المختار، ولولاه لما صار بعضه مخلقاً وبعضه غير مخلق وقيل : لنبين لكم ما تأتون وما تذرون وما تحتاجون إليه في العبادة.
قوله :﴿ وَنُقِرُّ فِي الأرحام مَا نَشَآءُ ﴾ على رفع « وَنُقِرُّ »، لأنه مستأنف، وليس علة لما قبله فينصب نسقاً على ما تقدم.


الصفحة التالية
Icon