أما الطَّفَل : بفتح الفاء والطاء - فوقت ( ما بعد العصر، من قولهم : طفلت الشمس : إذا مالت للغروب، وأطفلت المرأة أي صارت ذات طفل ).
قوله :﴿ ثُمَّ لتبلغوا أَشُدَّكُمْ ﴾ الأَشُدُّ : كمال القوة والعقل، وهو من ألفاظ الجموع التي لا واحد لها، فبنيت لذلك على لفظ الجمع، والمعنى : أنه سهل في تربيتكم وأغذيتكم أموراً كثيراً إلى بلوغ أشدكم، فنبه بذلك على الأحوال التي بين خروج الطفل من بطن أمه وبين بلوغ الأشد، لأن بين الحالتين وسائط.
قوله :﴿ وَمِنكُمْ مَّن يتوفى ﴾ العامة على ضم الياء من « يُتَوَفَّى » وقرأت فرقة « يَتَوفَّى » بفتح الياء، وفيه تخريجان :
أحدهما : أن الفاعل ضمير الباري تعالى، أي : يتوفاه الله تعالى. كذا قدره الزمخشري.
الثاني : أن الفاعل ضمير « من » أي : يتوفى أجله وهذه القراءة كالتي في البقرة ﴿ والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٣٤ ] أي : مدتهم. ومعنى الآية :﴿ وَمِنكُمْ مَّن يتوفى ﴾ على قوته وكماله، ﴿ وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر ﴾ وهو الهرم والخوف فيصير كما كان في أوان الطفولية ضعيف البنية سخيف العقل قليل الفهم. وروي عن أبي عمرو ونافع أنهما قرآ « العُمْر » بسكون الميم وهو تخفيف قياسي نحو عُنْق في عُنُق.
قوله :« لِكَيْلاَ يَعْلَم » هذا الجار يتعلق ب « يرد » وتقدم نظيره في النحل والمعنى يبلغ من السن ما يغير عقله فلا يعقل شيئاً. فإن قيل : إنه يعلم بعض الأشياء كالطفل فالجواب : المراد أنه يزول عقله فيصير كأنه لا يعلم شيئاً. لأن مثل ذلك قد يذكر في النفي مبالغة. ومن الناس من قال هذه الحال لا تحصل للمؤمنين لقوله تعالى :﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الذين آمَنُواْ ﴾ [ التين : ٥ - ٦ ] وهو ضعيف، لأن معنى قوله « ثُمَّ رَدَدْنَاهُ » دلالة على الذم، فالمراد ما يجري مجرى العقوبة، ولذلك قال ﴿ إِلاَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ [ التين : ٦ ] وهذا تمامِ الاستدلال بخلقة الحيوان. وأما الاستدلال بخلقة النبات فهو قوله تعالى :﴿ وَتَرَى الأرض هَامِدَةً ﴾ فنصب « هَامِدَةً » على الحال، لأن الرؤية بصرية. والهمود : الخشوع والسكون، وهمدت الأرض : يبست ودرست، وهمد الثوب : بلي، قال الأعشى :
٣٧٤٨- فَالَتْ قُتَيْلَة مَا لجِسْمِكَ شَاحِباً
وَأَرَى ثِيَابَكَ بَاليَاتٍ هُمَّدَا
والاهتزاز التحرك، وتجوز به هنا عن إنبات الأرض نباتها بالماء. والجمهور على « رَبَتْ » أي : زادت من ربا يربو. وقرأ أبو جعفر وعبد الله بن جعفر وأبو عمرو في رواية « وربأت » بالهمز أي ارتفعت. يقال : ربأ بنفسه عن كذا، أي : ارتفع عنه، ومنه الربيئة، وهو من يطلع على موضع عال لينظر للقوم ما يأتيهم، وهو عين القوم، ويقال له : ربيء أيضاً قال الشاعر :