وقال عليٌّ بنُ أبي طلحة، عن ابن عبَّاس : لم تَلدِ العواقرُ مثلهُ ولداً. وقيل : لأنَّ كُلَّ الناس، إنما يُسمُّونهم آباؤهم وأمهاتهم بعد دخولهم في الوجود، وأما يحيى فإنَّ الله سمَّاه قبل دخوله في الوجود، فكان ذلك من خواصِّه.
وقيل : لأنَّه ولدُ شيخٍ، وعجوزٍ عاقرٍ.
فصل في سبب تسميته بيحيى
واختلفُوا في سبب تسميته بيحيى، فعن ابن عبَّاس : لأنَّ الله أحيا به عقر أمه، ويرد على هذا قصَّة إبراهيم، وزوجته، قالت :﴿ ياويلتا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخاً ﴾ [ هود : ٧٢ ] فينبغي أن يكون اسمُ ولدهم يحيى.
وعن قتادة : لأنَّ الله تعالى أحيا قلبهُ بالإيمانِ والطَّاعة، والله تعالى سمَّى المطيعَ حيًّا، والعاصِيَ ميِّتاً؛ بقوله :﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ ﴾ [ الأنعام : ١٢٢ ].
وقال :﴿ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [ الأنفال : ٢٤ ].
وقيل : لأنَّ الله تعالى أحياه بالطَّاعة؛ حتى لم يعص، ولم يهُمَّ بمعصيةٍ.
قال رسول الله ﷺ « ما مِنْ أحدٍ إلاَّ وقد عَصَى، أو هَمَّ إلاَّ يحيى بنُ زكريَّا، فإنَّه لَمْ يهُمَّ ولَمْ يَعْملهَا » وفي هذا نظر؛ لأنه كان ينبغي أن تسمى النبياء كلهم والأولياء ب « يحيى ».
وقال ابن القاسم بن حبيب : لأنه استشهد، والشهداء أحياء عند ربهم، قال تعالى :﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ [ آل عمران : ١٦٩ ] وفي ذلك نظر؛ لأنه كان يلزم منه أن يُسَمَّى الشهداءُ كلُّهم بيَحْيَى.
وقال عمرو بنُ المقدسيِّ : أوحى الله تعالى، إلى إبراهيم -عليه السلام- أنه قُلْ لسارَّة بأنِّي مخرجٌ منها عبداً، لا يَهُمُّ بمعصيةٍ اسمه حيى، فقال : هَبِي لهُ من اسمكِ حرفاً، فوهبته حرفاً من اسمها، فصار يَحْيَى، وكان اسمُها يسارة، فصار اسمها سارة.
وقيل : لأنَّ يحيى أوَّلُ من آمن بعيسى، فصار قلبه حبًّا بذلك الإيمانِ.
وقيل : إنَّ أمَّ يحيى كانت حاملاً به، فاستقبلتها مريم، وقد حملت بعيسى، فقالت لها أمُّ يحيى : يا مريمُ، أحاملٌ أنت؟ فقالت : لم تقولين؟ فقالت : أرى ما في بطني يسجُد لما في بطنك.
قوله :﴿ قَالَ رَبِّ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ﴾ أي : مِنْ أين يكُون لي غرمٌ، والغلامُ : هو الإنسانُ الذكر في ابتداءِ شهوته في الجماع، ويكونُ في التلميذ، يقال : غلامُ ثعلبٍ.
﴿ وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً ﴾. أي : وامرأتي عاقرٌ، ولم يقل : عاقرةٌ؛ لأنَّ من كان على « فاعل » من صفة المؤنَّث ممَّا لم يكن للمذكَّر، فإنَّه لا تدخل فيه الهاءُ، كامرأةٍ عاقرٍ وحائضٍ.
قال الخليلُ : هذه صفاتُ المذكَّر، وصف بها المؤنَّث، كما وصف المذكَّر بالمؤنَّث؛ حيث قال : رجُلٌ نكَحةٌ، ورُبَعَةٌ، وغلامٌ نُفَعَةٌ.
قوله :« عِتيًّا » : فيه أربعةُ أوجه :
أظهرها : أنه مفعولٌ به، أي : بلغتُ عتيًّا من الكبرِ، فعلى هذا « مِنَ الكِبرِ » يجوز أن يتعلَّق ب « بَلغْتُ » ويجوز أن يتعلق بمحذوفٍ؛ على أنه حالٌ من « عِتيًّا » لأنه في الأصلِ صفةٌ له؛ كما قدرته لك.