الثاني : أن يكون مصدراً مؤكَّداً من معنى الفعل؛ لأنَّ بلوغَ الكبر في معناه.
الثالث : أنَّه مصدر واقعٌ موقع الحالِ من فاعل « بَلَغْتُ » أي : عاتياً، ذا عتيٍّ.
الرابع : أنه تمييزٌ، وعلى هذه الأوجه الثلاثة « مِنْ » مزيدةٌ، ذكره أبو البقاء، والأولُ هو الوجهُ.
والعُتُوُّ : بزنة فعولٍ، وهو مصدر « عَتَا، يَعْتُو » أي : يَبِسَ، وصلُبَ، قال الزمخشريُّ :« وهو اليُبْسُ والجساوةُ في المفاصلِ، والعظام؛ كالعُودِ القاحل؛ يقال : عَتَا العُودُ وجسَا، أو بلغتُ من مدارج الكِبرِ، ومراتبه ما يسمَّى عِتيًّا » يريد بقوله :« أوْ بلغْتُ » أنه يجوزُ أن يكون مِنْ « عَتَا يَعْتُو » أي : فسد.
والأصلُ :« عُتُووٌ » بواوين، فاستثقل واوان بعد ضمتين، فكسرتِ التاءُ؛ تخفيفاً، فانقلبت الواو الأولى ياءً؛ لسكونها وانكسار ما قبلها، فاجتمع ياءٌ وواوٌ، وسبقت إحداهما بالسكون، فقلبت الواوُ ياءً، وأدغمت فيها الأولى، وهذا الإعلالُ جارٍ في المفرد هكذا، والجمع : نحو :« عِصِيّ » إلا أنَّ الكثير في المفرد التصحيح؛ كقوله :﴿ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً ﴾ [ الفرقان : ٢١ ] وقد يعلُّ كهذه الآية، والكثيرُ في الجمع الإعلالُ، وقد يصحَّحُ؛ نحو :« إنَّكُمْ لتنظرُونَ في نحوٍّ كثيرةٍ » وقالوا : فُتِيٌّ وفُتُوٌّ.
وقرأ الأخوان « عتيًّا » و ﴿ صِلِيّاً ﴾ [ مريم : ٧٠ ] و « بِكِيّاً » [ مريم : ٥٨ ] و ﴿ جِثِيّاً ﴾ [ مريم : ٧٢ ] بكسر الفاء للاتباع، والباقون بالضمِّ على الأصلِ.
وقرأ عبدُ الله بن مسعودٍ بفتح الأوَّل من « عتيًّا » و « صَليًّا » جعلهما مصدرين على زنة « فعيلٍ » كالعجيجِ والرَّحيلِ.
وقرأ عبد الله وأبي بم كعبٍ « عُسِيًّا » بضم العين، وكسر السينِ المهملة، وتقدم اشتقاقُ هذه اللفظة في الأعراف، وتصريفها.
والعُتِيُّ والعُسِيُّ : واحدٌ.
يقال : عَتَا يَعْتُو عُتُوًّا، وعتيًّا، فهو عاتٍ، وعَسَا يَعْسُو عُسُوًّا وعسيًّا فهو عَاسٍ، والعَاسي : هو الذي غيرُه طولُ الزمانِ إلى حال البُؤس. وليل عاتٍ : طويل، وقيل : شديدُ الظلمة.
فصل
في هذه الآية سؤالان :
أحدهما : لم تعجب زكريَّا -E- بقوله :﴿ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ﴾ مع أنَّه هو الذي طلب الغلام؟.
والسؤال الثاني : قوله :﴿ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ﴾ هذا التعجُّب يدل على الشك في قدرة الله تعالى على ذلك، وذلك كفر، وهو غير جائز على الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام-؟.
فالجوابُ عن الأول : أمَّا على قول من قال : ما طلب الولد، فالإشكال زائلٌ، وأمَّا على قول من قال : إنَّه طلب الولد، فالجوابُ أن المقصود من قوله :﴿ أنى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ ﴾ هو البحث على أنه تعالى يجعلهما شابين، ثم يرزقهما، أو يتركهما شيخين، ويرزقهما الولد، مع الشيخوخة؟ ويدلُّ عليه قوله تعالى :﴿ وَزَكَرِيَّآ إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين فاستجبنا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يحيى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾