[ الأنبياء : ٨٩، ٩٠ ].
وما هذا الإصلاحُ إلاَّ أنَّه تعالى أعاد قُوَّة الولادة.
وذكر السديُّ في الجواب وجهاً آخر، فقال : إنَّه لمَّا سمع النداء بالبشارة جاءهُ الشيطان، فقال : إنَّ هذا الصَّوت ليس من الله تعالى، بل من الشيطانِ يسخر منك، فلمَّا شكَّ زكريَّا قال :« ربّ، أني يكُون لي غلامٌ »، وغرض السدي من هذا أن زكريا -عليه السلام- لو علم أن المبشَّر بذلك هو الله تعالى، لما جاز له أن يقول ذلك، فارتكب هذا.
وقال بعضُ المتكلِّمين : هذا باطلٌ باتِّفاق؛ إذ لو جوَّز الأنبياءُ في بعض ما يردُ عن الله تعالى أنَّه من الشيطان، لجوَّزوا في سائره، ولزالتِ الثقة عنهم في الوحي، وعنَّا فيما يوردُونه إلينا.
ويمكنُ أن يجاب عنه : بأنَّ هذا الاحتمال قائمٌ في أوَّل الأمر، وإنَّما يزولُ بالمعجزةِ، فلعلَّ المعجزةَ لم تكُن حاصلةً في هذه الصور، فحصل الشَّك هنا فيه دون ما عداها.
والجوابُ عن السؤال الثاني من وجوه :
الأول : أن قوله :﴿ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسمه يحيى ﴾.
ليس نصًّا في كون ذلك الغلام ولداً له، بل يحتمل أن يكون زكريَّا -عيله الصلاة والسلام- راعى الأدب، ولم يقل : هذا الغلام، هل يكون ولداً لي، أم لا، بل ذكر أسباب حُصُول الولدِ في العادة؛ حتى أنَّ تلك البشارة، إنْ كانت بالولد، فإن الله تعالى يزيلُ الإبهام، ويجعل الكلام صريحاً، فلمَّا ذكر ذلك، صرَّح الله تعالى بكون الولد منه، فكان الغرضُ من كلام زكريَّا هذا، لا شك أنه شاكًّا في قُدرة الله تعالى عليه.
الثاني : أنه ما ذكر ذلك للشك، لكنْ على وجه التعظيم لقدرته، وهذا كالرجل الذي يَرَى صاحبه قد وهب الكثير الخطير، فيقول : أنَّى سمحت نفسك بإخراج مثل هذا من ملكك! تعظيماً وتعجُّباً.
الثالث : أن من شأن من بُشِّرَ بما يتمناه؛ أن يتولد له فرط السرور به عند أوَّل ما يرد عليه استثباتُ ذلك الكلام؛ إما لأن شدة فرحه به توجبُ ذهوله عن مقتضيات العقل والفكر، وهذا كما أن امرأة إبراهيم عليه السلام بعد أن بشرت بإسحاق قالت ﴿ قَالَتْ ياويلتا أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ﴾ [ هود : ٧٢ ] فأزيل تعجبها بقوله :﴿ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله ﴾ [ هود : ٧٣ ]، وإما طلباً لالتذاذ بسماع ذلك الكلام مرة أخرى، وإما مبالغةً في تأكيد التفسير.
قوله :« كَذِلكَ » : في محلِّ هذه الكاف وجهان :
أحدهما : أنه رفع على خبر ابتداءٍ مضمرٍ، أي : الأمرُ كذلك، ويكون الوقفُ على :« كَذَلِكَ »، ثم يبتدأ بجملةٍ أخرى.
والثاني : أنها منصوبةُ المحلِّ، فقدَّرهُ أبو البقاء ب « أفْعَلُ » مثل ما طلبتَ، وهو كنايةٌ عن مطلوبه، فجعل ناصبه مقدَّراً، وظاهره أنه مفعولٌ به.
وقال الزمخشريُّ :« أو نصب ب » قَالَ « و » ذَلِكَ « إشارةٌ إلى مُبْهم يفسره » هُو عليَّ هيِّنٌ «، ونحوه :


الصفحة التالية
Icon