قوله :﴿ وكذلك أَنزَلْنَاهُ ﴾ الكاف إما حال من ضمير المصدر المقدر، وإما نعت لمصدر محذوف على حسب ما تقدم من الخلاف، أي : ومثل ذلك الإنزال أنزلنا القرآن كله « آيَاتٍ بَيِّنَات » ف « آيات » حال.
قوله :﴿ وَأَنَّ الله يَهْدِي ﴾ يجوز في « أن » ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها منصوبة المحل، عطفاً على مفعول « أنزلناه »، أي : وأنزلنا أن الله يهدي من يريد، أي : أنزلنا هداية الله لمن يريد هدايته.
الثاني : أنها على حذف حرف الجر، وذلك الحرف متعلق بمحذوف والتقدير : ولأن الله يهدي من يريد أنزلناه، فيجيئ في موضعها القولان المشهوران أفي محل نصب هي أم جر؟ وإلى هذا ذهب الزمخشري، وقال في تقديره : ولأن الله يهدي به الذين يعلم أنهم يؤمنون أنزله كذلك مبيناً.
الثالث : أنها في محل رفع خبراً لمبتدأ مضمر تقديره : والأمر أن الله يهدي من يريد.
فصل
قال أهل السنة : المراد من الهداية إما وضع الأدلة أو خلق المعرفة، أما الأول فغير جائز؛ لأنه تعالى فعل ذلك في حق كل المكلفين، ولأن قوله :﴿ يَهْدِي مَن يُرِيدُ ﴾ دليل على أن الهداية غير واجبة عليه بل هي متعلقة بمشيئته سبحانه، ووضع الأدلة عند الخصم واجب، فيبقى أن المراد منه خلق المعرفة. قال القاضي عبد الجبار في الاعتذار : هذا يحتمل وجوهاً :
أحدها : يكلف من يريد لأن من كلف أحداً شيئاً فقد وصفه له وبينه.
وثانيها : أن يكون المراد يهدي إلى الجنة والإنابة من يريد ممن آمن وعمل صالحاً.
وثالثها : أن يكون المراد أن الله يلطف بمن يريد ممن علم أنه إذا هدي ثبت على إيمانه كقوله تعالى :﴿ والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى ﴾ [ محمد : ١٧ ]. وهذا الوجه هو الذي أشار الحسن إليه بقوله : إن الله يهدي من قَبِلَ لا من لم يقبل، والوجهان الأولان ذكرهما أبو علي.
وأجيب عن الأول بأن الله تعالى ذكر ذلك بعد بيان الأدلة، وعن الثاني، من الشبهات فلا يجوز حمله على محض التكليف، وأما الوجهان الأخيران فمدفوعان لأنهما عند الخَصْم واجبان على الله، وقوله :﴿ يَهْدِي مَن يُرِيدُ ﴾ يقتضي عدم الوجوب.