﴿ سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المسجد الحرام ﴾ [ الإسراء : ١ ]. وأيضاً فقوله :« العَاكِفُ » المراد منه المقيم، وإقامته لا تكون في المسجد بل في المنازل. وقيل :﴿ سَوَآءً العاكف فِيهِ والباد ﴾ في تعظيم حرمته وقضاء النسك به وإليه ذهب مجاهد والحسن وجماعة، أي ليس للمقيم أن يمنع البادي وبالعكس، قال عليه السلام :« يا بَنِي عَبْدِ المُطَّلب من وُلِّي منكم من أمور الناس شيئاً فلا يمنعن أحداً طاف بهذا البيت أو صَلّى أية ساعة من ليل أو نهار » وهذا قول من أجاز بيع دور مكة.
وقد جرت مناظرة بين الشافعي وإسحاق الحنظلي بمكة وكان إسحاق لا يرخِّص في كراء بيوت مكة، فاحتج الشافعي بقوله تعالى :﴿ الذين أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم ﴾ [ الحج : ٤٠ ]. فأضاف الديار إلى مالكيها أو إلى غير مالكيها. وقال عليه السلام يوم فتح مكة :« من أغلق بابه فهو آمن »، وقوله عليه السلام :« هل ترك لنا عقيل من رباع » وقد اشترى عمر بن الخطاب دار السجن، أترى أنه اشتراها من مالكيها أو من غير مالكيها.
قال إسحاق : فلما علمت أن الحجة لزمتني تركت قولي. والقول بجواز بيع دور مكة وإجارتها قول طاوس وعمرو بن دينار وبه قال الشافعي.
قوله :﴿ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن مفعول « يُرِدْ » محذوف، وقوله :« بإلحَادٍ بظُلمٍ » حالان مترادفان، والتقدير : ومن يرد فيه مراداً ما عادلاً عن القصد ظالماً نذقه من عذاب إليم. وإنما حذف ليتناول كل متناول، قال معناه الزمخشري.
والثاني : أنّ المفعول أيضاً محذوف تقديره : ومن يرد فيه تَعَدِّيا، و « بإلحاد » حال، أي : ملتبساً بإلحاد، و « بِظُلْمٍ » بدل بإعادة الجار.
الثالث : أن يكون « بظلم » متعلقاً ب « يُرِدْ » والباء للسببية، أي : بسبب الظلم و « بإلحَادٍ » مفعول به، والباء مزيدة فيه كقوله :﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٩٥ ].
٣٧٥٦- لاَ يَقْرَأْنَ بِالسُّوَرِ... وإليه ذهب أبو عبيدة، وأنشد للأعشى :
٣٧٥٧- ضَمِنَتْ بِرِزْقِ عِيالنَا أَرْمَاحُنَا... أي : ضمنت رزق. ويؤيده قراءة الحسن :﴿ وَمَنْ يُرِدْ إلحَادَهُ بِظُلْمٍ ﴾.
قال الزمخشري : أراد إلحاده فيه، فأضافه على الاتساع في الظرف ك « مَكْرُ اللَّيْلِ » ومعناه : ومن يرد أن يلحد فيه ظالماً.
الرابع : أن تضمن « يُرِدْ » معنى يلتبس فذلك تعدى بالباء، أي : ومن يلتبس بإلحاد مريداً له. والعامة على « يُرِد » بضم الياء من الإرادة. وحكى الكسائي والفراء أنه قرئ « يَرد » بفتح الياء، قال الزمخشري : من الورود ومعناه : من أتى فيه بإلحاد ظالماً.
فصل
الإلحاد : العدول عن القصد، وأصله إلحاد الحافر. واختلف المفسرون فيه، فقيل : إنه الشرك، أي مَن لجأ إلى الحرم ليشرك به عَذّبه الله، وهو إحدى الروايات عن ابن عباس، وهو قول مجاهد وقتادة.