قوله تعالى :﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البيت ﴾ الآية. أي؛ اذكر حين، واللام في « لإبراهيم » ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها للعلة، ويكون مفعول « بَوَّأْنا » محذوفاً، أي : بوأنا الناس لأجل إبراهيم مكان البيت، و « بَوَّأَ » جاء متعدياً صريحاً قال تعالى :﴿ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بني إِسْرَائِيلَ ﴾ [ يونس : ٩٣ ] ﴿ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الجنة غُرَفَاً ﴾ [ العنكبوت : ٥٨ ]، وقال الشاعر :
٣٧٥٨- كَمْ صَاحِبٍ لِي صَالِحٍ | بَوَّأْتُه بِيَدَيَّ لَحْدا |
الثالث : أن تكون معدية للفعل على أنه مضمن معنى فعل يتعدى بها، أي؛ هيأنا له مكان البيت، كقولك : هيأت له بيتاً، فتكون اللام معدية قال معناه أبو البقاء.
وقال الزمخشري : واذكر حين جعلنا لإبراهيم مكان البيت مباءة ففسر المعنى بأنه ضمن « بَوأْنا » معنى ( جعلنا )، ولا يريد تفسير الإعراب. وفي « مكان البيت » وجهان :
أظهرهما : أنه مفعول به.
والثاني : قال أبو البقاء : أن يكون ظرفاً. وهو ممتنع من حيث إنه ظرف مختص فحقه أن يتعدى إليه ب ( في ).
فصل
روي أن الكعبة الكريمة بنيت خمس مرات :
أحدها : بناء الملائكة قبل آدم، وكانت من ياقوتة حمراء، ثم رفعت إلى السماء أيام الطوفان.
والثانية : بناء إبراهيم - عليه السلام -.
والثالثة : بناء قريش في الجاهلية، وقد حضر رسول الله - ﷺ - هذا البناء.
والرابعة : بناء ابن الزبير.
والخامسة : بناء الحجاج وهو البناء الموجود اليوم.
« وروى أبو ذر قال : قلت : يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال :» المسجد الحرام «.
قال : ثم قلت : أي؟ قال :» المسجد الأقصى «. قلت : كم بينهما؟ قال :» أربعون سنة « والمسجد الأقصى أسسه يعقوب - عليه السلام - وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال رسول الله - ﷺ - :» بعثَ اللَّهُ جبريلَ عليه السلام إلى آدم وحواء فقال لهما : ابنيا ليَ بيتاً، فخطّ لهما جبريل فجعل آدمُ يحفر وحواء تنقل حتى أجابه الماء نودي من تحته : حسبك يا آدم. فلما بنياه أوحى الله تعالى إليه أن يطوف به، وقيل له أنت أول الناس وهذا أول بيت، ثم تناسخت القرون حتى حجه نوح، ثم تناسخت القرون حتى رفع إبراهيم القواعد منه « روي عن عليّ - رضي الله عنه - أن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم - عليه السلام - أن ابنِ لي بيتاً في الأرض، فضاق به زرعاً، فأرسل الله السكينة وهي ريح خجوج لها رأس، فاتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت، ثم تطوقت في موضع البيت تطوُّق الحية، فبنى إبراهيم حتى إذا بلغ مكان الحجر، قال لابنه : ابغني حجراً، فالتمس حجراً حتى أتاه به، فوجد الحجر الأسود قد ركب، فقال لأبيه : من أين لك هذا؟ قال : جاء به من لا يتكل على بنائك، جاء به جبريل من السماء فأتمه، قال : فمرّ عليه الدهر فانهدم، فبنته العمالقة، ثم انهدم فبنته جرهم، ثم انهدم فبنته قريش ورسول الله - ﷺ - يومئذ رجل شاب فلما أرادوا أن يرفعوا الحجر الأسود اختصموا فيه فقالوا : نحكم بيننا أول رجل يخرج من هذه السكة، فكان رسول الله - ﷺ - أول من خرج، فقضى بينهم أن يجعلوه في مربط ثم ترفعه جميع القبائل كلهم، فرفعوه، ثم ارتقى هو فرفعوا إليه الركن، فوضعه، وكانوا يدعونه الأمين.