قال موسى بن عقبة : كان بناء الكعبة قبل المبعث بخمس عشرة سنة. قال ابن إسحاق : كانت الكعبة على عهد النبي - ﷺ - ثماني عشرة ذراعاً، وكانت تكسى القباطي ثم كسيت البرود، وأول من كساها الديباج الحجاج بن يوسف.
وأما المسجد الحرام فأول من أخر بنيان البيوت من حول الكعبة عمر بن الخطاب اشتراها من أهلها وهدمها، فلما كان عثمان اشترى دوراً وزادها فيه، فلما وُلّي ابن الزبير أحكم بنيانه وأكثر أبوابه وحسن جدرانه، ولم يوسعه شيئاً آخر، فلما استوى الأمر إلى عبد الملك بن مروان زاد في ارتفاع جدرانه وأمر بالكعبة فكسيت الديباج، وتولى ذلك بأمره الحجاج.
وروي أن الله تعالى لما أمر إبراهيم - عليه السلام - ببناء البيت لم يدر أين يبني فبعث الله تعالى ريحاً خجوجاً فكشفت ما حول البيت عن الأساس. وقال الكلبي : بعث الله سحابة بقدر البيت، فقامت بحيال البيت فيها رأس يتكلم وله لسان وعينان يا إبراهيم ابن على قدري وحيالي، فبنى عليه.
قوله :﴿ أَن لاَّ تُشْرِكْ ﴾ في « أَنْ » هذه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها هي المفسرة. قال الزمخشري بعد أن ذكر هذا الوجه : فإن قلت : كيف يكون النهي عن الشرك، والأمر بتطهير البيت تفسيراً للتبوئِة. قلت : كانت التبوئة مقصودة من أجل العبادة، وكأنه قيل تعبدنا إبراهيم قلنا لا تشرك. يعني الزمخشري أن « أن » المفسرة لابد أن يتقدمها ما هو بمعنى القول لا حروفه ولم يتقدم إلا لتبوئة وليست بمعنى القول فضمنها معنى القول، ولا يريد بقوله : قلنا : لا تشرك. تفسير الإعراب بل تفسير المعنى، لأن المفسرة لا تفسر القول الصريح.
الثاني : أنها المخففة من الثقيلة. قاله ابن عطية. وفيه نظر من حيث إن ( أن ) المخففة لا بد أن يتقدمها فعل تحقيق أو ترجيح كحالها إذا كانت مشددة.
الثالث : أنها المصدرية التي تنصب المضارع، وهي توصل بالماضي والمضارع والأمر، والنهي كالأمر، وعلى هذا ف « أن » مجرورة بلام العلة مقدرة أي : بوأناه لئلا تشرك، وكان من حق اللفظ على هذا الوجه أن يكون « أن لا يشرك » بياء الغيبة، وقد قرئ بذلك، قاله أبو البقاء : وقوى ذلك قراءة من قرأة بالياء.